ذكـر الله باستعمال السبحة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
* * *
4- أثر أبي صفية رضي الله تعالى عنه
أخرج الإمام أحمد في الزهد قال : حدثنا عفان ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، عن يونس بن عبيد ، ، عن أمه قالت : رأيت أبا صفية رجل من أصحاب النبي (ص) ، وكان جارنا ، قالت : فكان يسبح بالحصى .
قلت : هذا سند صحيح رواته ثقات محتج بهم .
فإن قال قائل : أم يونس بن عبيد لم يرو عنها غير ابنها كما ذكر ذلك الإمام مسلم بن الحجاج في المنفردات ( ص 19 ) ، ولم يوثقها أحد ، فكيف يحتج بها ؟ .
أجيب بالآتي :
1- أم يونس أيضاً روى عنها غير ابنها ، المعلى بن الأعلم كما في الجرح والتعديل (8/33) ؛ والتاريخ الكبير (9/44) ، ولم يذكروا فيها جرحاً ولا تعديلاً ، وهي على شرط ابن حبان في ثقاته ولكنني لم أجده فيه .
فهي مستورة لارتفاع جهالة العين برواية اثنين فتبقى جهالة الحال .
وحديث المستورة من الرواة الذين تقادم العهد بهم مقبول .
فما بالك إذا كان من التابعين ، وعليه العمل في كثير من كتب الحديث ، كما قرره ابن صلاح في المقدمة ( ص 145 ) واذكر ما ذكرته عن الطفاوي في أثر أبي هريرة المتقدم .
2- احتج الأئمة الحفاظ الثقات ممن صنفوا في الصحابة ومعهم البخاري وابن أبي حاتم والننوي في تهذيب الأسماء واللغات ( 1 / 28) ، وابن كثير في البداية والنهاية (5/322) وابن سيد الناس ( 2 /393) – وقال : وكان يسبح بالنوى – وغيرهم ، احتجوا بأن أبا صفية من الصحابة ، بل ومن المهاجرين اعتماداً على طريق أم يونس بن عبيد ، وفي كل الروايات ذكر الحصى والنوى .
وهذا أكبر دليل وأوضح برهان على قبولهم رواية أم يونس وتوثيقهم لها والعمل بالرواية ، أبلغ من التوثيق .
ومما يؤيد هذا ويقويه ويوضحه أن الحافظ ذكر في مقدمة الإصابة (1/ 4-5) أنه رتبه عل أربعة أقسام ، ثم قال : القسم الأول : فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره ، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق .
ثم قال : وأميز ذلك في كل ترجمة . اهـ
وتراه في ترجمة أبي صفية رضي الله عنه يذكر صحبته دون تمييز أو تعقيب ، مما يدل على أن الطريق عنده صحيح أو حسن .
وذكر الحافظ السخاوي في كتابه الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي (ص) من الخدم والموالي أبا صفية من المهاجرين المعدودين في الموالي (ص 68) .
* * *
تنبيه :
علل الألباني - في رده على الشيخ الحبشي – أثر أبي صفية بالآتي :
قال الألباني : في السند إليه أم يونس بن عبيد ، ولا ذكر لها في شيء من كتب التراجم . اهـ
وهذا خطأ من الألباني فإن أم يونس ذكرها البخاري في التاريخ الكبير ( 9/44) ؛ وذكرها مسلم في المنفردات ( ص 19) ؛ وذكرها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/333) . فكيف يقال : لا أذكر لها في كتب التراجم ؟ .
والآن نسأل الألباني : ماذا تقول في أبي صفية ، هل هو صحابي أم لا ؟
فإن أجبت بالنفي فقد خالفت سبيل الحفاظ وإن أجبت بالإثبات ، فليس هناك طريق لإثبات صحبة أبي صفية إلا طريق أم يونس الذي فيه أنه كان يسبح بالحصى والنوى .
فأنت ملزم بالثاني ولا تستطيع أن تنفك عنه ، وعليه لا يمكن الحكم ببدعية السبحة . والله المستعان .
وهناك آثار أخرى لم أذكرها لوجود الضعف فيها ، وبعضها ضعفه قريب ، وانظر إذا شئت ( المصنف) لابن أبي شيبة (2/389) ؛ و(المنحة) في الحاوي للسيوطي (2 / 4 ) . وفيما ذكر كفاية .
خاتمة في إلزام المخالف بقبول الآثار المتقدمة
الآثار المتقدمة مقبولة وفق قواعد الحديث بلا ريب ، بل هي مقبولة على رأي المخالف لأمرين :
أولهما : إن هذه الآثار التي جاءت عن الصحابة في استعمال الحصى والنوى والسبح إذا سلم المخالف بضعفها – وهو بعيد – فإن أفرادها ليست شديدة الضعف فمثلها يتقوى بنظيره ، فإن كل فرد منها – على سبيل التنزل فقط – جزء حجة فإذا ضم بعضها لبعض صارت حجة واحتج بها على المطلوب حتى عند المخالف .
ثانيهما : اخترع المخالف قاعدة وهي التساهل في الموقوف (ص 40 ) وهي قاعدة اخترعها ليدافع عن الألباني .
وعند ذلك يقال له : نراك تدافع عن الألباني ولو باختراع القواعد الباطلة فلماذا لا تطبق ما اخترعه وهو التساهل في الموقوفات ؟! .
وكان واجب الإنصاف أن تعمل هذه القاعدة المخترعة على هذه الآثار ولكنك فررت لتقع في التناقض ، نعوذ بالله من الهوى والتعصب .
وكان من عادة السلف الإكثار من الطاعات والمداومة عليها بحسب ما يطيقون وقد نقلت عنهم عجائب في هذا الباب . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم (8/42) : قد كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرؤون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم ، فكان بعضهم يختم القرآن في شهر ، وبعض في عشرين يوماً ، وبعضهم في عشرة أيام ، وبعضهم أو أكثرهم في سبعة ، وكثير منهم في ثلاثة ، وكثير في يوم وليلة ، وبعضهم في كل ليلة ، وبعضهم في اليوم والليلة ثلاث ختمات ، وبعضهم ثمان ختمات وهو أكثر ما بلغنا .
والمختار أن يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه ، ولا يعتاد إلا ما يغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه أو غيره . اهـ
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى نحوه في الأذكار ( ص 95 – 96 ) وفي التبيان في آداب حملة القرآن ( ص 11 ) .
وفي كتب الطباق والتاريخ والسير والزهد ، ما يغني عن الإفاضة في هذه العجالة بحيث يمكن لمن تتبعها أن يخرج بأضعاف ما ذكره اللنوي في كتابه النافع ( إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة ) .
وهو متواتر عنهم فلا يحتاج للنظر في إسناده كما هو مقرر .
وقال الحافظ السيوطي في المنحة :
وذكر الحافظ عبد الغني في الكمال في ترجمة أبي الدرداء عويمر رضي الله عنه : أنه كان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة . وذكر أيضاً عن سلمة بن شبيب قال : كان خالد بن معدان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة . اهـ
واستعاذتي من هؤلاء تجعلني أتحف المحب باستعاذة أخرى للحافظ الذهبي ففي سير النبلاء أيضاً (1/212) : ( قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي (ص) ، فيضعها على فيقبلها . وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ، ويغمسها في المساء وشربه يستشفي به . ورأيته أخذ قصعة النبي (ص) ، فغسلها في حب الماء ، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ، ويمسح به يديه ووجهه .
قلت : أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي (ص) ، ويمس الحجرة النبوية فقال : لا أرى بذلك بأساً . أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع ) . انتهى كلام الحافظ الذهبي .
وقوله : (في اليوم) يدل على المداومة بالعدد المذكور .
قال السيوطي : ومن المعلوم المحقق أن المائة ألف ، بل والأربعين ألفاً وأقل من ذلك لا يحصر بالأنامل ، فقد صح بذلك أنهما كانا يعدان بآلة ، والله أعلم ، اهـ .
وأخرج الترمذي في الدعاء (12 / 298 عارضة ) عن مسلمة بن عمرو قال : كان عمير بن هانئ يصلي كل يوم ألف ركعة ، ويسبح مائة ألف تسبيحة .
والنظر في أسانيد هذه الآثار – كما فعل صاحب إحكام المباني ( ص 79 ، 80 ) – جهل بترتيب الأدلة أداة للاضطراب في الكلام على الرواة .
وإذا أمعنت النظر فيما ذكرت في هذا الفصل ، علمت فية قول الألباني (إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى ، وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة ) . انتهى بنصه .
فافهم وتدبر والله المستعان .
* * *
فصل
وقد استعمل السبحة الجماهير من السلف والخلف .
وقال الحافظ السيوطي في المنحة :
ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة ، بل كان أكثرهم يعدون بها ، ولا يرون ذلك مكروها ، اهـ . انظر الحاوي في الفتاوى (2/5) .
وقد كنت جمعت بعض عبارات للعلماء الثقات الأعلام في بيان جوازها ، ثم رأيت أن أقتصر هنا عل ما يوصل إلى المراد ؟
1- قال الشيخ أحمد بن تيمية ( مجموع الفتاوى 22/506) : وعد التسبيح بالأصابع سنة .
قال النبي (ص) للنساء : سبحن ، واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤلات مستنطقات .
وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فخسن ، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي (ص) أم المؤمنين تسبح بالحصى ، وأقرها على ذلك ، وروى أن أبا هريرة كان يسبح فيه .
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه ، فيقال فيه هو حسن غيرمكروه اهـ .
2- قال الشيخ ابن القيم في الوابل الصيب ( ص 295) :
الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع ، وأنه أفضل من السبحة . اهـ
3- قال القاضي محمد بن علي الشوكاني (نيل الأوطار 2/353) :
والحديثان الآخران – أي حديث سعد وصفية رضي الله عنهما – يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى ، وكذا بالسبحة ، لعدم الفارق ، لتقريره (ص) للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره ، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز اهـ .
4- ونقله المبار كفوري في تحفة الأحوذي (9 /458) موافقاً له .
** ** **
اهـ رسالة وصول التهاني للشيخ محمود سعيد ممدوح
4- أثر أبي صفية رضي الله تعالى عنه
أخرج الإمام أحمد في الزهد قال : حدثنا عفان ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، عن يونس بن عبيد ، ، عن أمه قالت : رأيت أبا صفية رجل من أصحاب النبي (ص) ، وكان جارنا ، قالت : فكان يسبح بالحصى .
قلت : هذا سند صحيح رواته ثقات محتج بهم .
فإن قال قائل : أم يونس بن عبيد لم يرو عنها غير ابنها كما ذكر ذلك الإمام مسلم بن الحجاج في المنفردات ( ص 19 ) ، ولم يوثقها أحد ، فكيف يحتج بها ؟ .
أجيب بالآتي :
1- أم يونس أيضاً روى عنها غير ابنها ، المعلى بن الأعلم كما في الجرح والتعديل (8/33) ؛ والتاريخ الكبير (9/44) ، ولم يذكروا فيها جرحاً ولا تعديلاً ، وهي على شرط ابن حبان في ثقاته ولكنني لم أجده فيه .
فهي مستورة لارتفاع جهالة العين برواية اثنين فتبقى جهالة الحال .
وحديث المستورة من الرواة الذين تقادم العهد بهم مقبول .
فما بالك إذا كان من التابعين ، وعليه العمل في كثير من كتب الحديث ، كما قرره ابن صلاح في المقدمة ( ص 145 ) واذكر ما ذكرته عن الطفاوي في أثر أبي هريرة المتقدم .
2- احتج الأئمة الحفاظ الثقات ممن صنفوا في الصحابة ومعهم البخاري وابن أبي حاتم والننوي في تهذيب الأسماء واللغات ( 1 / 28) ، وابن كثير في البداية والنهاية (5/322) وابن سيد الناس ( 2 /393) – وقال : وكان يسبح بالنوى – وغيرهم ، احتجوا بأن أبا صفية من الصحابة ، بل ومن المهاجرين اعتماداً على طريق أم يونس بن عبيد ، وفي كل الروايات ذكر الحصى والنوى .
وهذا أكبر دليل وأوضح برهان على قبولهم رواية أم يونس وتوثيقهم لها والعمل بالرواية ، أبلغ من التوثيق .
ومما يؤيد هذا ويقويه ويوضحه أن الحافظ ذكر في مقدمة الإصابة (1/ 4-5) أنه رتبه عل أربعة أقسام ، ثم قال : القسم الأول : فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو عن غيره ، سواء كانت الطريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق .
ثم قال : وأميز ذلك في كل ترجمة . اهـ
وتراه في ترجمة أبي صفية رضي الله عنه يذكر صحبته دون تمييز أو تعقيب ، مما يدل على أن الطريق عنده صحيح أو حسن .
وذكر الحافظ السخاوي في كتابه الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي (ص) من الخدم والموالي أبا صفية من المهاجرين المعدودين في الموالي (ص 68) .
* * *
تنبيه :
علل الألباني - في رده على الشيخ الحبشي – أثر أبي صفية بالآتي :
قال الألباني : في السند إليه أم يونس بن عبيد ، ولا ذكر لها في شيء من كتب التراجم . اهـ
وهذا خطأ من الألباني فإن أم يونس ذكرها البخاري في التاريخ الكبير ( 9/44) ؛ وذكرها مسلم في المنفردات ( ص 19) ؛ وذكرها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/333) . فكيف يقال : لا أذكر لها في كتب التراجم ؟ .
والآن نسأل الألباني : ماذا تقول في أبي صفية ، هل هو صحابي أم لا ؟
فإن أجبت بالنفي فقد خالفت سبيل الحفاظ وإن أجبت بالإثبات ، فليس هناك طريق لإثبات صحبة أبي صفية إلا طريق أم يونس الذي فيه أنه كان يسبح بالحصى والنوى .
فأنت ملزم بالثاني ولا تستطيع أن تنفك عنه ، وعليه لا يمكن الحكم ببدعية السبحة . والله المستعان .
وهناك آثار أخرى لم أذكرها لوجود الضعف فيها ، وبعضها ضعفه قريب ، وانظر إذا شئت ( المصنف) لابن أبي شيبة (2/389) ؛ و(المنحة) في الحاوي للسيوطي (2 / 4 ) . وفيما ذكر كفاية .
خاتمة في إلزام المخالف بقبول الآثار المتقدمة
الآثار المتقدمة مقبولة وفق قواعد الحديث بلا ريب ، بل هي مقبولة على رأي المخالف لأمرين :
أولهما : إن هذه الآثار التي جاءت عن الصحابة في استعمال الحصى والنوى والسبح إذا سلم المخالف بضعفها – وهو بعيد – فإن أفرادها ليست شديدة الضعف فمثلها يتقوى بنظيره ، فإن كل فرد منها – على سبيل التنزل فقط – جزء حجة فإذا ضم بعضها لبعض صارت حجة واحتج بها على المطلوب حتى عند المخالف .
ثانيهما : اخترع المخالف قاعدة وهي التساهل في الموقوف (ص 40 ) وهي قاعدة اخترعها ليدافع عن الألباني .
وعند ذلك يقال له : نراك تدافع عن الألباني ولو باختراع القواعد الباطلة فلماذا لا تطبق ما اخترعه وهو التساهل في الموقوفات ؟! .
وكان واجب الإنصاف أن تعمل هذه القاعدة المخترعة على هذه الآثار ولكنك فررت لتقع في التناقض ، نعوذ بالله من الهوى والتعصب .
وكان من عادة السلف الإكثار من الطاعات والمداومة عليها بحسب ما يطيقون وقد نقلت عنهم عجائب في هذا الباب . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم (8/42) : قد كانت للسلف عادات مختلفة فيما يقرؤون كل يوم بحسب أحوالهم وأفهامهم ووظائفهم ، فكان بعضهم يختم القرآن في شهر ، وبعض في عشرين يوماً ، وبعضهم في عشرة أيام ، وبعضهم أو أكثرهم في سبعة ، وكثير منهم في ثلاثة ، وكثير في يوم وليلة ، وبعضهم في كل ليلة ، وبعضهم في اليوم والليلة ثلاث ختمات ، وبعضهم ثمان ختمات وهو أكثر ما بلغنا .
والمختار أن يستكثر منه ما يمكنه الدوام عليه ، ولا يعتاد إلا ما يغلب على ظنه الدوام عليه في حال نشاطه أو غيره . اهـ
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى نحوه في الأذكار ( ص 95 – 96 ) وفي التبيان في آداب حملة القرآن ( ص 11 ) .
وفي كتب الطباق والتاريخ والسير والزهد ، ما يغني عن الإفاضة في هذه العجالة بحيث يمكن لمن تتبعها أن يخرج بأضعاف ما ذكره اللنوي في كتابه النافع ( إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة ) .
وهو متواتر عنهم فلا يحتاج للنظر في إسناده كما هو مقرر .
وقال الحافظ السيوطي في المنحة :
وذكر الحافظ عبد الغني في الكمال في ترجمة أبي الدرداء عويمر رضي الله عنه : أنه كان يسبح في اليوم مائة ألف تسبيحة . وذكر أيضاً عن سلمة بن شبيب قال : كان خالد بن معدان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة . اهـ
واستعاذتي من هؤلاء تجعلني أتحف المحب باستعاذة أخرى للحافظ الذهبي ففي سير النبلاء أيضاً (1/212) : ( قال عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي (ص) ، فيضعها على فيقبلها . وأحسب أني رأيته يضعها على عينه ، ويغمسها في المساء وشربه يستشفي به . ورأيته أخذ قصعة النبي (ص) ، فغسلها في حب الماء ، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ، ويمسح به يديه ووجهه .
قلت : أين المتنطع المنكر على أحمد ، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي (ص) ، ويمس الحجرة النبوية فقال : لا أرى بذلك بأساً . أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج ومن البدع ) . انتهى كلام الحافظ الذهبي .
وقوله : (في اليوم) يدل على المداومة بالعدد المذكور .
قال السيوطي : ومن المعلوم المحقق أن المائة ألف ، بل والأربعين ألفاً وأقل من ذلك لا يحصر بالأنامل ، فقد صح بذلك أنهما كانا يعدان بآلة ، والله أعلم ، اهـ .
وأخرج الترمذي في الدعاء (12 / 298 عارضة ) عن مسلمة بن عمرو قال : كان عمير بن هانئ يصلي كل يوم ألف ركعة ، ويسبح مائة ألف تسبيحة .
والنظر في أسانيد هذه الآثار – كما فعل صاحب إحكام المباني ( ص 79 ، 80 ) – جهل بترتيب الأدلة أداة للاضطراب في الكلام على الرواة .
وإذا أمعنت النظر فيما ذكرت في هذا الفصل ، علمت فية قول الألباني (إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى ، وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة ) . انتهى بنصه .
فافهم وتدبر والله المستعان .
* * *
فصل
وقد استعمل السبحة الجماهير من السلف والخلف .
وقال الحافظ السيوطي في المنحة :
ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة ، بل كان أكثرهم يعدون بها ، ولا يرون ذلك مكروها ، اهـ . انظر الحاوي في الفتاوى (2/5) .
وقد كنت جمعت بعض عبارات للعلماء الثقات الأعلام في بيان جوازها ، ثم رأيت أن أقتصر هنا عل ما يوصل إلى المراد ؟
1- قال الشيخ أحمد بن تيمية ( مجموع الفتاوى 22/506) : وعد التسبيح بالأصابع سنة .
قال النبي (ص) للنساء : سبحن ، واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤلات مستنطقات .
وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فخسن ، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي (ص) أم المؤمنين تسبح بالحصى ، وأقرها على ذلك ، وروى أن أبا هريرة كان يسبح فيه .
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه ، فيقال فيه هو حسن غيرمكروه اهـ .
2- قال الشيخ ابن القيم في الوابل الصيب ( ص 295) :
الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع ، وأنه أفضل من السبحة . اهـ
3- قال القاضي محمد بن علي الشوكاني (نيل الأوطار 2/353) :
والحديثان الآخران – أي حديث سعد وصفية رضي الله عنهما – يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى ، وكذا بالسبحة ، لعدم الفارق ، لتقريره (ص) للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره ، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز اهـ .
4- ونقله المبار كفوري في تحفة الأحوذي (9 /458) موافقاً له .
** ** **
اهـ رسالة وصول التهاني للشيخ محمود سعيد ممدوح
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
فصل
قال الألباني : قد يقول قائل : إن العد بالأصابع كما ورد في السنة لا يمكن أن يضبط به العدد إذا كان كثيراً .
فالجواب : قلت إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى ، وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة ، فإن أكثر ما جاء به العدد في السنة الصحيحة – فيما أذكر الآن – مائة ، وهذا يمكن ضبطه بسهولة لمن كان ذلك عادته . انتهى كلام الألباني (1/113) .
أقول كأن الألباني يرى أنه إذا كان هناك عدد كبير يصعب عده بالأصابع فلا مانع من استعمال السبحة ، ولكن لما كان هذا غير موجود في السنة الصحيحة ، كان استعمالها بدعة ، لأنه لا يعرف أكثر من مائة في السنة .
فمن أجل عدم علمه بوجود عدد أكبر من مائة في السنة حكم ببدعية السبحة .
فهل إذا أتينا للشيخ بما ورد في السنة الصحيحة يرجع عن قوله ؟ . وهاك الآتي :
1- قوله : (ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم … الخ ) .
اعلم أن الشارع قد رغب في ذكر الله تعالى ذكراً كثيراً ، وقد بلغ هذا مبلغ التواتر ، والكثير لا حد له ، وقد ورد أن عدداً كبيراً من الصحابة ، والتابعين اعتادوا الذكر بأعداد كبيرة تصل إلى المائة ألف والأربعين ألفاً والعشرة آلاف ، فهل هؤلاء مبتدعة أم نحن جاهلون بالشرع ؟ … الأول ممتنع والثاني واقع .
2- وما دام ذكر الله تعالى كثيراً بكافة أنواعه من المندوب المطلوب ، فالمحافظة عليه مندوبة . قال رسول الله (ص) : "احب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ) رواه البخاري .
ومنه يعلم أن ذكر الله عز وجل بالمئات والآلاف مندوب ، ومندوب أيضاً المحافظة عليه .
وهذا عمل الصحابة رضوان الله عليهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقد ذكر المحقق أبو الحسنات اللكنوي في رسالته النافعة (إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة ) جملة وافرة من اجتهاد السلف في هذا الباب .
وسيأتي بسند صحيح أن أبا هريرة كان يستغفر في اليوم 12 ألف مرة .
فكيف يمكن اتهام سادات الأمة بالابتداع ؟ .
والمرء يحار فيمن يجعل دليل الجهل بالشيء دليلاً على العلم به وفق مراده وهكذا يكون السقوط الفاضح ممن أراد الوصول على حساب سادات الأمة .
3- قوله : ( وأكثر ما جاء في العدد في السنة الصحيحة – فيما أذكر الآن – مائة … الخ ) ، وما دمت لا تذكر وقت الكتابة ، فنحن نذكرك ، ونذكر إخواننا ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
قال رسول الله (ص) : من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه . رواه مسلم في صحيحه (17/17 مسلم بشرح النووي ) . فقوله (ص) : (أو زاد عليه ) نصٌ في طلب الزيادة على أكثر من مائة .
وفي صحيح مسلم أيضاً (17 / 17 ) : عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله (ص) قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى (17/17) : هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ، ويكون له ثواب آخر على الزيادة ، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها وأن زيادتها لا فضل لها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة . اهـ
وقال رسول الله (ص) : أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب ألف حسنة قال : يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة ، أو تحط عنه ألف سيئة . رواه مسلم ( 17 / 20 مسلم بشرح النووي) .
في هذا الحديث أمران :
الأول : طلب الزيادة على مائة تسبيحة ، يفهم ذلك من قوله (ص) : (أيعجز) فالعجز مرتبة دنيا والمطلوب السداد أو المقاربة كما في حديث البخاري (سددوا وقاربوا ) .
الثاني : المداومة على الزيادة على أكثرمن مائة تسبيحة يفهم ذلك من قوله (ص) : (كل يوم) فمن لا يريد أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟!
أيكون هذا مبتدعاً ؟ ! كلا بل يكون متبعاًبلا ريب .
وقد جاء النص بأكثر من مائة ، أخرج أحمد (المسند 2/185 ) والطبراني في (الدعاء 2/949) عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله (ً) : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة في يوم ، لم يسبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد بعده ، إلا بأفضل من عمله .
قال الهيثمي : ورجال أحمد ثقات ، وفي رجال الطبراني من لم اعرفه . ( مجمع الزوائد 10 / 86 ) .
وقوله (ص) : ( إلا بأفضل من عمله ) . نص في طلب الزيادة على أكثر من مائتي مرة .
وهناك نص مرفوع على المئتي مرة في معجم شيوخ الذهبي (1 /167 ) لكنه ضعيف وجاء النص بألف مرة في حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط ( مجمع البحرين 7 / 341) .
وفي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً أيضاً أخرجه الطبراني في الدعاء (2/949 ) . وهما ضعيفان ويمكن أن يستأنس بهما خاصة أولهما .
وحاصل ما سبق أن الذكر بالأعداد الكبيرة مع المداومة عليها مندوب إليه وهو من أفضل الأعمال ، ومن حاد عن ذلك فقد خالف السنة ومال للبدعة .
فلا تلتفت لمن يشغب في الحق الأبلج كصاحب إحكام المباني ( ص 63 وما بعدها ) فإنه خالف النصوص وجاهد في غير عدو وقد غالى في الانتصار للألباني فخرج عن الصواب ثم لا أحب أن اخلي المقام من إشكال على كلام الألباني فإنه قال : إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة .
أقول له : إذا تعذر ضبط عدد مائة مثلاُ أو أقل إلا بالسبحة كما هو مشاهد في بعض الناس خاصة من تقدم به العمر ، فماذا يفعل من يريد أن يذكر الله تعالى ، أيترك الذكر أم يستعمل السبحة ؟! .
* * *
فصل
واعلم أنه قد استعمل النوى أو الحصى في التسبيح جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وفعل الصحابة يصلح للاحتجاج به عند عدم المخالفة وقد تقرر أن فتوى الصحابي أو فعله مما يقوي المرسل عند الشافعي رحمه الله تعالى ، والمرسل من أقسام الضعيف عند المحدثين ، فإذا سلمنا بضعف حديثي الباب الذين تقدما ، فالقواعد تقرر أن هذين الحديثين ييتقويان بالآثار التي ستأتي إن شاء الله تعالى .
وهذا عمل كثير من الأئمة الفقهاء تجدهم يستدلون بالضعيف الذي يتقوى بأمارة أخرى ، كفعل صحابي ، والاحتجاج يكون بالهسئة المجموعة .
وقد ورد استعمال الحصى أو النوى في التسبيح بأسانيد قوية عن أبي الدرداء وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وأبي صفية رضي الله تعالى عنهم .
وهناك أسانيد أخرى مشبهة بالحسن أو تضعيفه تطلب من (المنحة في السبحة) للحافظ السيوطي رحمه الله تعالى ومن كتب التاريخ والطباق ويمكن لمن تتبعها أن يخرجها في جزء لطيف .
* * *
1- أثر أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني أبي ، حدثنا مسكين ابن بكير ، أنبأنا ثابت بن عجلان ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة ، حسبت عشراً أو نحوها في كيس ، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه ، فأخذ الكيس ، فأخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن فإذا نفدن أعادهن واحدة ، كل ذلك يسبح بهن اهـ . الزهد (ص 141 ) .
هذا سند صحيح إن شاء الله تعالى.
مسكين بن بكير روى له البخاري متابعة ، وروى له مسلم وغيره في الأصول ، ووثقه ابن عمار ، وقال أحمد وابن معين وأبو حاتم : لا بأس به .
ومن تكلم فيه كأبي أحمد الحاكم فبالنسبةلأحاديثه عن سعيد بن عبد العزيز وعن شعبة ، وهو هنا لم يرو عنهما . التهذيب (10 /110) الجرح والتعديل ( 4/1/329) .
وثابت بن عجلان تابعي شامي ، ثقة احتج به البخاري ، وثقة ابن معين ، وقال دحيم والنسائي : ليس به بأس ، وقال أبو حاتم : لا بأس به صالح الحديث ، وتوقف فيه أحمد وكأنه مرض أمره . واستغرب ابن عدي له ثلاثة أحاديث . وهذا لا يضره ، فمن من الرواة لا ينفرد أو يهم ؟
أما قول العقيلي : لا يتابع في حديثه ، فقد تعقبه أبو الحسن بن القطان بقوله : إن هذا لا يضر إلا من لا يعرف بالثقة ، وأما من وثق فانفراده لا يضر .
قال الحافظ : وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلامخالفته الثقات لا غير ، فيكون حديثه حينئذٍ شاذاً . اهـ الضعفاء للعقيلي (1/175)؛ الكامل (2/524) ؛ التهذيب (2/10 ) .
والقاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن الشامي الدمشقي ، صاحب أبي أمامة الباهلي ، وثقة ابن معين والعجلي والترمذي ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن سفيان ويعقوب ابن شيبة .
ومن تكلم فيه كابن حبان فالأحاديث منكرة رواها عنه ضعفاء ، لذلك قال أبو حاتم الرازي : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به ، وإنما ينكر عنه الضعفاء . التهذيب (8/322 – 324 ) الجرح والتعديل ( 2/3/113 ) .
والراوي عنه ثابت بن عجلان ثقة كما مر ، وشامي مثله .
فهذا الإسناد متصل ولا غبار عليه .
ولم يجد صاحب إحكام المباني ما يعل به هذا الإسناد إلا دعوى انقطاع بين القاسم بن عبد الرحمن وأبي الدرداء (ص 70 ) والصواب لم يحالفه .
وحتى لا ينخدع أحد بما قاله أحببت ألا أخلي المقام من تحقيق سماع القاسم بن عبد الرحمن من أبي الدرداء .
* * *
تحقيق سماع القاسم بن عبد الرحمن
من أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه
أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه مات سنة 32 .
ورواية القاسم بن عبد الرحمن عنه ليست مستبعدة بل هي متحققة للآتي :
1- قال البخاري إمام أهل الصناعة ومقدمهم : سمع علياً وابن مسعود وأبا أمامة (التاريخ الصغير ص 106) .
ومات علي كرم الله وجهه سنة (40) وابن مسعود رضي الله عنه سنة 32، 33 .
2- وفيه أيضاً ( ص107) : عن كثير بن الحارث : كان أدرك أربعين بدرياً . وقال كثير بن الحارث أيضاً القاسم مولى معاوية سمع علياً كذا في المراسيل ( ص 176) .
3- وقال ابن سعد في الطبقات (7/446) : أدرك أربعين بدرياً ، وكذلك قال أبو زرعة فيما أخرجه ابن عساكر في تاريخه (14 / 1 / 168 ) بإسناد صحيح .
فإذا كان الرجل قد سمع من ابن مسعود المتوفى سنة 32 أو 33 وهو كوفي ، فسماعه من أبي الدرداء الشامي والمتوفى سنة 32 ليس ببعيد .
وعده يعقوب بن سفيان الفسوي في الطبقة العليا من التابعين بالشام [ المعرفة والتاريخ (2/330) ] .
4- قال أبو زرعة الدمشقي ذكرت لأحمد حديثاً حدثنا به محمد ابن المبارك عن يحيى بن حمزة عن عروة بن رويم عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قدم علينا سلمان الفارسي دمشق فأنكره أحمد وقال لي : كيف يكون هذا اللقاء وهو مولى خالد بن يزيد بن معاوية قال : فأخبرت عبد الرحمن بن إبراهيم بقول أبي عبد الله فقال لي عبد الرحمن كان القاسم مولى لجويريةبنت أبي سفيان ، فورث بنو يزيد بن معاوية ولاءه فلذلك يقال : مولى بني يزيد بن معاوية .
قال أبو زرعة وهذا أحب القولين إلي .
قلت : مات سلمان رضي الله تعالى عنه سنة 33 على ما رجحه الحافظ . الإصابة (2/63) ، والتهذيب (4/138) .
وكان رسول الله (ص) قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء فكان سلمان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء كما في الاستيعاب وغيره .
وعليه فمن رأى سلمان الفارسي بالشام لابد أن يكون قد أدرك أبا الدرداء لأن سلمان كان ينزل على أبي الدرداء .
ومنه يعلم أن رواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبي الدرداء متصلة – ولابد –
أما قول صاحب إحكام المباني (ص 70) : وأما ما جزم به محمود سعيد من أنه – أي القاسم بن عبد الرحمن – روى عن علي وابن مسعود فهو مردود على ضوء مقالات العلماء السابقة ، وجزم بعدم السماع منهما أبو حاتم كما في التهذيب ولكنها الغفلة أو التغافل . اهـ
قلت : سامحك الله وليست غفلة أو تغافلاً ، ولن أسترسل معك في هذا المهيع ، ولكن الرد العلمي النزيه فقط .
ولا بد لمن نظر في السطور السابقة أن يدرك أن من جزم بسماع القاسم بن عبد الرحمن من علي وابن مسعود رضي الله عنهما هو البخاري شيخ الحفاظ وإمامهم ، فقوله مقدم على قول غيره لأمور :
الأول : لأنه أعرف وأتقن وأحفظ .
الثاني : لأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي لأن المثبت معه زيادة علم لم تقع لغيره ولو علمها لقال بها ، ولهذا نظائر .
الثالث : أنه قد تحقق رؤية القاسم بن عبد الرحمن لسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وهذا يؤكد صحة رأي البخاري والله أعلم .
* * *
2- أثر أبي هريرة رضيالله تعالى عنه
قال أبو داود في سننه (2/339) : حدثنا مسدد ، ثنا بشر ، ثنا الجريري . ح وثنا مؤمل ، ثنا إسماعيل ، ح وثنا موسى ، ثنا حماد كلهم عن الجريري عن أبي نضرة ، حدثني شيخ من طفاوة قال : تثويت أبا هريرة بالمدينة – أي جئته ضيفاً – فلم أر رجلاً من أصحاب النبي (ص) أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه ، فينا أن عنده يوماً ، وهو على سرير له ، معه كيس كبير في حصى أو نوى ، وأسفل منه جارية سوداء ، وهو يسبح بها ، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه … الحديث . وسكت عنه أبو داود فهو صالح عنده.
وأخرجه (بعضه) النسائي (8/15) ، والترمذي (تحفة 8/71 – 72) . وأحمد في المسند (2/540) : وقال الترمذي : هذا حديث حسن إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ، ولا نعرف اسمه .
وإنما حسنه الترمذي لأن الطفاوي تابعي ولم يأت بمتن منكر ، والراوي عنه ثقة – وقد احتج النسائي بالطفاوي مع تعنته المشهور في الرجال – وهذا مذهب كثير من المحدثين ، لم ينفرد به الترمذي فلا يقول متقول هنا :وتساهل الترمذي معروف كما هي عادة بعضهم .
وفي مقدمة (المغني في الضعفاء ) للذهبي : وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ . اهـ
وباقي الإسناد رجاله ثقات .
ولتسبيح أبي هريرة بالنوى شاهدان يقويان تحسين الترمذي :
1- قال أبو نعيم في الحلية : حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي وإبراهيم بن زياد قالا : ثنا إسماعيل بن عليه ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة قال قال أبو هريرة : إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة . اهـ الحلية (1/383) وسنده صحيح . وعزاه الحافظ في الإصابة (4/209) لابن سعد وصححه . وانظر تذكرة الحفاظ (1/35) .
ولم يجد صاحب إحكام المباني ( ص 75) ما يضعف به هذا الإسناد ، فأتى بما يضحك الثكلى ، فصرح بأن عكرمة لم يسمع من أبي هريرة .
قلت : هذه حجة واهية فإن عكرمة قد سمع من أبي هريرة ولا دليل أكبر من دليل اتفقت الأمة عليه وهو إخراج البخاري لحديث عكرمة عن أبي هريرة وانظ جملة من أحاديث عكرمة عن أبي هريرة في صحيح البخاري في تحفة الأشراف (10 /280 – 285) وفي هذا القدر كفاية لمن كان من أولى العناية . وبعد أن ثبت الأثر المتقدم عن أبي هريرة ، كيف يمكن إحصاء اثني عشر ألف تسبيحة كل يوم بدون آلة تساعد كنوى أو حصى ؟ .
وقد تقرر أنه : إذا ثبت الشيء ثبتت لوازمه .
2- أخرج أبو النعيم في الحليةقال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا الحسن بن الصباح ، ثنا زيد بن الحباب ، عن عبد الواحد بن موسى قال : أخبرني نعيم بن المحرر بن أبي هريرة ، عن جده ، أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة ، فلا ينام حتى يسبح به . اهـ (1/383) . وعزاه الحافظ السيوطي في المنحة لأحمد في الزهد ، وأورده الذهبي في تذكرة الحاظ (1/35) .
وهذا الأثر إسناده حسن إلى نعيم الذي لم أجد له ترجمة فيما لديَّ من كتب الرجال ، وعلى كل فهو شاهد فيتسامح في أمثاله .
وحاصل ما سبق أن أثر أبي هريرة الذي في إسناده الطفاوي إذا تشددت غايةالتشدد ، وأعرضت عن تحسين الترمذي ، فإنك لا تنفك إلا على قبول هذا الأثر ، بعد ثبوت شاهد صحيح له ، وآخر فيه مقال .
ومن تخلف عما ذكرت فانفض يدك منه ، ولا تشغل نفسك به واقبل على شأنك والله أعلم .
* * *
2- أثر سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
قال ابن سعد في الطبقات (3/143) : أخبرنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن حكيم بن الدليمي : أن سعداً كان يسبح بالحصى .
قبيصة ثقة احتج به الجماعة . التهذيب (8/449) .
وسفيان هو الثوري ، لا يسأل عن مثله .
وحكيم بن الدليمي هو المدائني ثقة .التهذيب (2/449) ؛ من السادسة التقريب (ص 177) . لم يرو عن سعد رضي الله عنه .
لكن رواه يحيى بن سعد موصولاً ، قال ابن أبي شيبة ( 2/389) في المصنف : حدثنا يحيى بن سعد ، عن سفيان ، عن حكيم بن الدليمي ، عن مولاة لسعد : أن سعداً يسبح بالحصى أو النوى .
وسندهيمكن أن يكون مقبولاً على طريقة بعض الحفاظ المتقدمين والمتأخرين .
ومما يزيده وضوحاً ، قول الذهبي في الميزان – وهو من أهل الاستقراء التام في الرجال - : ولا أعلم من النساء من اتهمت ولا تركت ، اهـ . الميزان (4/604) ؛ ووافقه الحافظ في اللسان (7/522) .
وعلى كلٍ فهذا الإسناد فيه ضعف قريب .
يتبع ...
قال الألباني : قد يقول قائل : إن العد بالأصابع كما ورد في السنة لا يمكن أن يضبط به العدد إذا كان كثيراً .
فالجواب : قلت إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى ، وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة ، فإن أكثر ما جاء به العدد في السنة الصحيحة – فيما أذكر الآن – مائة ، وهذا يمكن ضبطه بسهولة لمن كان ذلك عادته . انتهى كلام الألباني (1/113) .
أقول كأن الألباني يرى أنه إذا كان هناك عدد كبير يصعب عده بالأصابع فلا مانع من استعمال السبحة ، ولكن لما كان هذا غير موجود في السنة الصحيحة ، كان استعمالها بدعة ، لأنه لا يعرف أكثر من مائة في السنة .
فمن أجل عدم علمه بوجود عدد أكبر من مائة في السنة حكم ببدعية السبحة .
فهل إذا أتينا للشيخ بما ورد في السنة الصحيحة يرجع عن قوله ؟ . وهاك الآتي :
1- قوله : (ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم … الخ ) .
اعلم أن الشارع قد رغب في ذكر الله تعالى ذكراً كثيراً ، وقد بلغ هذا مبلغ التواتر ، والكثير لا حد له ، وقد ورد أن عدداً كبيراً من الصحابة ، والتابعين اعتادوا الذكر بأعداد كبيرة تصل إلى المائة ألف والأربعين ألفاً والعشرة آلاف ، فهل هؤلاء مبتدعة أم نحن جاهلون بالشرع ؟ … الأول ممتنع والثاني واقع .
2- وما دام ذكر الله تعالى كثيراً بكافة أنواعه من المندوب المطلوب ، فالمحافظة عليه مندوبة . قال رسول الله (ص) : "احب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ) رواه البخاري .
ومنه يعلم أن ذكر الله عز وجل بالمئات والآلاف مندوب ، ومندوب أيضاً المحافظة عليه .
وهذا عمل الصحابة رضوان الله عليهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقد ذكر المحقق أبو الحسنات اللكنوي في رسالته النافعة (إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة ) جملة وافرة من اجتهاد السلف في هذا الباب .
وسيأتي بسند صحيح أن أبا هريرة كان يستغفر في اليوم 12 ألف مرة .
فكيف يمكن اتهام سادات الأمة بالابتداع ؟ .
والمرء يحار فيمن يجعل دليل الجهل بالشيء دليلاً على العلم به وفق مراده وهكذا يكون السقوط الفاضح ممن أراد الوصول على حساب سادات الأمة .
3- قوله : ( وأكثر ما جاء في العدد في السنة الصحيحة – فيما أذكر الآن – مائة … الخ ) ، وما دمت لا تذكر وقت الكتابة ، فنحن نذكرك ، ونذكر إخواننا ، فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
قال رسول الله (ص) : من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة ، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه . رواه مسلم في صحيحه (17/17 مسلم بشرح النووي ) . فقوله (ص) : (أو زاد عليه ) نصٌ في طلب الزيادة على أكثر من مائة .
وفي صحيح مسلم أيضاً (17 / 17 ) : عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله (ص) قال : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ) .
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى (17/17) : هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة ، ويكون له ثواب آخر على الزيادة ، وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها وأن زيادتها لا فضل لها أو تبطلها كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة . اهـ
وقال رسول الله (ص) : أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب ألف حسنة قال : يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة ، أو تحط عنه ألف سيئة . رواه مسلم ( 17 / 20 مسلم بشرح النووي) .
في هذا الحديث أمران :
الأول : طلب الزيادة على مائة تسبيحة ، يفهم ذلك من قوله (ص) : (أيعجز) فالعجز مرتبة دنيا والمطلوب السداد أو المقاربة كما في حديث البخاري (سددوا وقاربوا ) .
الثاني : المداومة على الزيادة على أكثرمن مائة تسبيحة يفهم ذلك من قوله (ص) : (كل يوم) فمن لا يريد أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟!
أيكون هذا مبتدعاً ؟ ! كلا بل يكون متبعاًبلا ريب .
وقد جاء النص بأكثر من مائة ، أخرج أحمد (المسند 2/185 ) والطبراني في (الدعاء 2/949) عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله (ً) : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة في يوم ، لم يسبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد بعده ، إلا بأفضل من عمله .
قال الهيثمي : ورجال أحمد ثقات ، وفي رجال الطبراني من لم اعرفه . ( مجمع الزوائد 10 / 86 ) .
وقوله (ص) : ( إلا بأفضل من عمله ) . نص في طلب الزيادة على أكثر من مائتي مرة .
وهناك نص مرفوع على المئتي مرة في معجم شيوخ الذهبي (1 /167 ) لكنه ضعيف وجاء النص بألف مرة في حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في الأوسط ( مجمع البحرين 7 / 341) .
وفي حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً أيضاً أخرجه الطبراني في الدعاء (2/949 ) . وهما ضعيفان ويمكن أن يستأنس بهما خاصة أولهما .
وحاصل ما سبق أن الذكر بالأعداد الكبيرة مع المداومة عليها مندوب إليه وهو من أفضل الأعمال ، ومن حاد عن ذلك فقد خالف السنة ومال للبدعة .
فلا تلتفت لمن يشغب في الحق الأبلج كصاحب إحكام المباني ( ص 63 وما بعدها ) فإنه خالف النصوص وجاهد في غير عدو وقد غالى في الانتصار للألباني فخرج عن الصواب ثم لا أحب أن اخلي المقام من إشكال على كلام الألباني فإنه قال : إنما جاء هذا الإشكال من بدعة أخرى وهي ذكر الله في عدد محصور لم يأت به الشارع الحكيم ، فتطلبت هذه البدعة بدعة أخرى وهي السبحة .
أقول له : إذا تعذر ضبط عدد مائة مثلاُ أو أقل إلا بالسبحة كما هو مشاهد في بعض الناس خاصة من تقدم به العمر ، فماذا يفعل من يريد أن يذكر الله تعالى ، أيترك الذكر أم يستعمل السبحة ؟! .
* * *
فصل
واعلم أنه قد استعمل النوى أو الحصى في التسبيح جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وفعل الصحابة يصلح للاحتجاج به عند عدم المخالفة وقد تقرر أن فتوى الصحابي أو فعله مما يقوي المرسل عند الشافعي رحمه الله تعالى ، والمرسل من أقسام الضعيف عند المحدثين ، فإذا سلمنا بضعف حديثي الباب الذين تقدما ، فالقواعد تقرر أن هذين الحديثين ييتقويان بالآثار التي ستأتي إن شاء الله تعالى .
وهذا عمل كثير من الأئمة الفقهاء تجدهم يستدلون بالضعيف الذي يتقوى بأمارة أخرى ، كفعل صحابي ، والاحتجاج يكون بالهسئة المجموعة .
وقد ورد استعمال الحصى أو النوى في التسبيح بأسانيد قوية عن أبي الدرداء وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وأبي صفية رضي الله تعالى عنهم .
وهناك أسانيد أخرى مشبهة بالحسن أو تضعيفه تطلب من (المنحة في السبحة) للحافظ السيوطي رحمه الله تعالى ومن كتب التاريخ والطباق ويمكن لمن تتبعها أن يخرجها في جزء لطيف .
* * *
1- أثر أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه
قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني أبي ، حدثنا مسكين ابن بكير ، أنبأنا ثابت بن عجلان ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال:
كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة ، حسبت عشراً أو نحوها في كيس ، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه ، فأخذ الكيس ، فأخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن فإذا نفدن أعادهن واحدة ، كل ذلك يسبح بهن اهـ . الزهد (ص 141 ) .
هذا سند صحيح إن شاء الله تعالى.
مسكين بن بكير روى له البخاري متابعة ، وروى له مسلم وغيره في الأصول ، ووثقه ابن عمار ، وقال أحمد وابن معين وأبو حاتم : لا بأس به .
ومن تكلم فيه كأبي أحمد الحاكم فبالنسبةلأحاديثه عن سعيد بن عبد العزيز وعن شعبة ، وهو هنا لم يرو عنهما . التهذيب (10 /110) الجرح والتعديل ( 4/1/329) .
وثابت بن عجلان تابعي شامي ، ثقة احتج به البخاري ، وثقة ابن معين ، وقال دحيم والنسائي : ليس به بأس ، وقال أبو حاتم : لا بأس به صالح الحديث ، وتوقف فيه أحمد وكأنه مرض أمره . واستغرب ابن عدي له ثلاثة أحاديث . وهذا لا يضره ، فمن من الرواة لا ينفرد أو يهم ؟
أما قول العقيلي : لا يتابع في حديثه ، فقد تعقبه أبو الحسن بن القطان بقوله : إن هذا لا يضر إلا من لا يعرف بالثقة ، وأما من وثق فانفراده لا يضر .
قال الحافظ : وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلامخالفته الثقات لا غير ، فيكون حديثه حينئذٍ شاذاً . اهـ الضعفاء للعقيلي (1/175)؛ الكامل (2/524) ؛ التهذيب (2/10 ) .
والقاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن الشامي الدمشقي ، صاحب أبي أمامة الباهلي ، وثقة ابن معين والعجلي والترمذي ويعقوب بن سفيان ويعقوب بن سفيان ويعقوب ابن شيبة .
ومن تكلم فيه كابن حبان فالأحاديث منكرة رواها عنه ضعفاء ، لذلك قال أبو حاتم الرازي : حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به ، وإنما ينكر عنه الضعفاء . التهذيب (8/322 – 324 ) الجرح والتعديل ( 2/3/113 ) .
والراوي عنه ثابت بن عجلان ثقة كما مر ، وشامي مثله .
فهذا الإسناد متصل ولا غبار عليه .
ولم يجد صاحب إحكام المباني ما يعل به هذا الإسناد إلا دعوى انقطاع بين القاسم بن عبد الرحمن وأبي الدرداء (ص 70 ) والصواب لم يحالفه .
وحتى لا ينخدع أحد بما قاله أحببت ألا أخلي المقام من تحقيق سماع القاسم بن عبد الرحمن من أبي الدرداء .
* * *
تحقيق سماع القاسم بن عبد الرحمن
من أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه
أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه مات سنة 32 .
ورواية القاسم بن عبد الرحمن عنه ليست مستبعدة بل هي متحققة للآتي :
1- قال البخاري إمام أهل الصناعة ومقدمهم : سمع علياً وابن مسعود وأبا أمامة (التاريخ الصغير ص 106) .
ومات علي كرم الله وجهه سنة (40) وابن مسعود رضي الله عنه سنة 32، 33 .
2- وفيه أيضاً ( ص107) : عن كثير بن الحارث : كان أدرك أربعين بدرياً . وقال كثير بن الحارث أيضاً القاسم مولى معاوية سمع علياً كذا في المراسيل ( ص 176) .
3- وقال ابن سعد في الطبقات (7/446) : أدرك أربعين بدرياً ، وكذلك قال أبو زرعة فيما أخرجه ابن عساكر في تاريخه (14 / 1 / 168 ) بإسناد صحيح .
فإذا كان الرجل قد سمع من ابن مسعود المتوفى سنة 32 أو 33 وهو كوفي ، فسماعه من أبي الدرداء الشامي والمتوفى سنة 32 ليس ببعيد .
وعده يعقوب بن سفيان الفسوي في الطبقة العليا من التابعين بالشام [ المعرفة والتاريخ (2/330) ] .
4- قال أبو زرعة الدمشقي ذكرت لأحمد حديثاً حدثنا به محمد ابن المبارك عن يحيى بن حمزة عن عروة بن رويم عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قدم علينا سلمان الفارسي دمشق فأنكره أحمد وقال لي : كيف يكون هذا اللقاء وهو مولى خالد بن يزيد بن معاوية قال : فأخبرت عبد الرحمن بن إبراهيم بقول أبي عبد الله فقال لي عبد الرحمن كان القاسم مولى لجويريةبنت أبي سفيان ، فورث بنو يزيد بن معاوية ولاءه فلذلك يقال : مولى بني يزيد بن معاوية .
قال أبو زرعة وهذا أحب القولين إلي .
قلت : مات سلمان رضي الله تعالى عنه سنة 33 على ما رجحه الحافظ . الإصابة (2/63) ، والتهذيب (4/138) .
وكان رسول الله (ص) قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء فكان سلمان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء كما في الاستيعاب وغيره .
وعليه فمن رأى سلمان الفارسي بالشام لابد أن يكون قد أدرك أبا الدرداء لأن سلمان كان ينزل على أبي الدرداء .
ومنه يعلم أن رواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبي الدرداء متصلة – ولابد –
أما قول صاحب إحكام المباني (ص 70) : وأما ما جزم به محمود سعيد من أنه – أي القاسم بن عبد الرحمن – روى عن علي وابن مسعود فهو مردود على ضوء مقالات العلماء السابقة ، وجزم بعدم السماع منهما أبو حاتم كما في التهذيب ولكنها الغفلة أو التغافل . اهـ
قلت : سامحك الله وليست غفلة أو تغافلاً ، ولن أسترسل معك في هذا المهيع ، ولكن الرد العلمي النزيه فقط .
ولا بد لمن نظر في السطور السابقة أن يدرك أن من جزم بسماع القاسم بن عبد الرحمن من علي وابن مسعود رضي الله عنهما هو البخاري شيخ الحفاظ وإمامهم ، فقوله مقدم على قول غيره لأمور :
الأول : لأنه أعرف وأتقن وأحفظ .
الثاني : لأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي لأن المثبت معه زيادة علم لم تقع لغيره ولو علمها لقال بها ، ولهذا نظائر .
الثالث : أنه قد تحقق رؤية القاسم بن عبد الرحمن لسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وهذا يؤكد صحة رأي البخاري والله أعلم .
* * *
2- أثر أبي هريرة رضيالله تعالى عنه
قال أبو داود في سننه (2/339) : حدثنا مسدد ، ثنا بشر ، ثنا الجريري . ح وثنا مؤمل ، ثنا إسماعيل ، ح وثنا موسى ، ثنا حماد كلهم عن الجريري عن أبي نضرة ، حدثني شيخ من طفاوة قال : تثويت أبا هريرة بالمدينة – أي جئته ضيفاً – فلم أر رجلاً من أصحاب النبي (ص) أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه ، فينا أن عنده يوماً ، وهو على سرير له ، معه كيس كبير في حصى أو نوى ، وأسفل منه جارية سوداء ، وهو يسبح بها ، حتى إذا أنفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فأعادته في الكيس فدفعته إليه … الحديث . وسكت عنه أبو داود فهو صالح عنده.
وأخرجه (بعضه) النسائي (8/15) ، والترمذي (تحفة 8/71 – 72) . وأحمد في المسند (2/540) : وقال الترمذي : هذا حديث حسن إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث ، ولا نعرف اسمه .
وإنما حسنه الترمذي لأن الطفاوي تابعي ولم يأت بمتن منكر ، والراوي عنه ثقة – وقد احتج النسائي بالطفاوي مع تعنته المشهور في الرجال – وهذا مذهب كثير من المحدثين ، لم ينفرد به الترمذي فلا يقول متقول هنا :وتساهل الترمذي معروف كما هي عادة بعضهم .
وفي مقدمة (المغني في الضعفاء ) للذهبي : وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن ، إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ . اهـ
وباقي الإسناد رجاله ثقات .
ولتسبيح أبي هريرة بالنوى شاهدان يقويان تحسين الترمذي :
1- قال أبو نعيم في الحلية : حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي وإبراهيم بن زياد قالا : ثنا إسماعيل بن عليه ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة قال قال أبو هريرة : إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة . اهـ الحلية (1/383) وسنده صحيح . وعزاه الحافظ في الإصابة (4/209) لابن سعد وصححه . وانظر تذكرة الحفاظ (1/35) .
ولم يجد صاحب إحكام المباني ( ص 75) ما يضعف به هذا الإسناد ، فأتى بما يضحك الثكلى ، فصرح بأن عكرمة لم يسمع من أبي هريرة .
قلت : هذه حجة واهية فإن عكرمة قد سمع من أبي هريرة ولا دليل أكبر من دليل اتفقت الأمة عليه وهو إخراج البخاري لحديث عكرمة عن أبي هريرة وانظ جملة من أحاديث عكرمة عن أبي هريرة في صحيح البخاري في تحفة الأشراف (10 /280 – 285) وفي هذا القدر كفاية لمن كان من أولى العناية . وبعد أن ثبت الأثر المتقدم عن أبي هريرة ، كيف يمكن إحصاء اثني عشر ألف تسبيحة كل يوم بدون آلة تساعد كنوى أو حصى ؟ .
وقد تقرر أنه : إذا ثبت الشيء ثبتت لوازمه .
2- أخرج أبو النعيم في الحليةقال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا الحسن بن الصباح ، ثنا زيد بن الحباب ، عن عبد الواحد بن موسى قال : أخبرني نعيم بن المحرر بن أبي هريرة ، عن جده ، أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة ، فلا ينام حتى يسبح به . اهـ (1/383) . وعزاه الحافظ السيوطي في المنحة لأحمد في الزهد ، وأورده الذهبي في تذكرة الحاظ (1/35) .
وهذا الأثر إسناده حسن إلى نعيم الذي لم أجد له ترجمة فيما لديَّ من كتب الرجال ، وعلى كل فهو شاهد فيتسامح في أمثاله .
وحاصل ما سبق أن أثر أبي هريرة الذي في إسناده الطفاوي إذا تشددت غايةالتشدد ، وأعرضت عن تحسين الترمذي ، فإنك لا تنفك إلا على قبول هذا الأثر ، بعد ثبوت شاهد صحيح له ، وآخر فيه مقال .
ومن تخلف عما ذكرت فانفض يدك منه ، ولا تشغل نفسك به واقبل على شأنك والله أعلم .
* * *
2- أثر سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
قال ابن سعد في الطبقات (3/143) : أخبرنا قبيصة بن عقبة ، عن سفيان ، عن حكيم بن الدليمي : أن سعداً كان يسبح بالحصى .
قبيصة ثقة احتج به الجماعة . التهذيب (8/449) .
وسفيان هو الثوري ، لا يسأل عن مثله .
وحكيم بن الدليمي هو المدائني ثقة .التهذيب (2/449) ؛ من السادسة التقريب (ص 177) . لم يرو عن سعد رضي الله عنه .
لكن رواه يحيى بن سعد موصولاً ، قال ابن أبي شيبة ( 2/389) في المصنف : حدثنا يحيى بن سعد ، عن سفيان ، عن حكيم بن الدليمي ، عن مولاة لسعد : أن سعداً يسبح بالحصى أو النوى .
وسندهيمكن أن يكون مقبولاً على طريقة بعض الحفاظ المتقدمين والمتأخرين .
ومما يزيده وضوحاً ، قول الذهبي في الميزان – وهو من أهل الاستقراء التام في الرجال - : ولا أعلم من النساء من اتهمت ولا تركت ، اهـ . الميزان (4/604) ؛ ووافقه الحافظ في اللسان (7/522) .
وعلى كلٍ فهذا الإسناد فيه ضعف قريب .
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
فلا تعارض حينئذٍ ، وإعمال كل الأدلة واجب كما هو مقرر ، وهذا الطريقة يعرفها صغار طلبة العلم ، فلماذا التحكم بقصر القصة على رواية جويرية رضي الله تعالى عنها ؟
المؤاخذة الثانية : أما الحكم على أن ذكر الحصى في القصة فخطأ من الألباني ، وهو فرع ناتج عن حكمه المخطئ الذي نشأ عن عدم البحث والتتبع وقد أده كل ذلك إلى تضعيف حديثي سعيد وصفية الثابتين كما تقدم .
* * *
تنبيه :
والعجب من صاحب إحكام المباني الذي استعاذ بالله من التقليد (ص 26 ) فإنه في الواقع استعاذ من تقليد أحد إلا الألباني ، فإنه لا يزال يصر على ترديد صدى كلامه والدوران في فلكه ، تى في ذكر نكارة الحصى التي لم يسبق إليها !! .
وكلام الحافظ في أمالي الأذكار (1/78) لا يؤيده فإنه احتمل أن تكون المرأة المبهمة جويرية ، ثم استدرك قائلاً : لكن سياقه بغير هذا اللفظ .
ثم احتمل أن تكون صفية ، ولكنه استدرك قائلاً ولكن باختصار ، وفيه ذكر عدد النوى الذي كانت تسبح به . اهـ .
فالحافظ – رحمه الله تعالى – احتمل احتمالاً ، ثم استدرك على الاحتمال ، فسقط هذا الاحتمال وبقي كل حديث قائم بنفسه . فالحافظ لم يقنع بأن المرأة المبهمة هي جويرية أو صفية فلم يجزم في محل الاحتمال ، وهذا سبيل أهل العلم .
ثم إن دعوة النكارة لا تصح على قواعد الحدثين البتة لأنها تفترض مخالفة الضعيف للقة وهذه ثلاثة أحاديث مخارجها مختلفة ومتباعدة ، فكيف تصح دعاوى النكارة هنا ؟ ومن خالف من ؟ نعوذ بالله من الهوى والتخبط .
المؤاخذة الثالثة : أما قول الألباني : يؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم … إلى قوله إن شاء الله . اهـ ففيه نظر .
اعلم وفقني الله وإياك إلى اتباع الحق أن هذا الإنكار لم يثبت ، وهاك الأثر الذي اعتمده الألباني في ضعيفته (1 /112) قال ابن وضاح القرطبي في البدع والنهي عنها (ص12) : أنا أسد عن جرير بن حازم عن الصلت بن بهرام قال : مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله ، ثم قال : لقد سبقتم ، ركبتم بدعة ظلماً ، أو لقد غلبتم أصحاب محمد (ص) علماً .
قلت : هذا إسناد ضعيف للانقطاع الذي بين الصلت بن بهرام وابن مسعود رضي الله عنه لأن بن بهرام وإن كان ثقة ، لكنه من أتباع التابعين ، التهذيب (4/432) .
ثم لماذا يستدل الألباني بهذا الأثر الضعيف الموقوف على أن ذكر الحصى منكر ؟ وهل رأيت – أخي القارئ – من يجعل الموقوف الضعيف حكماً على المرفوع الصحيح ؟! … إلى الله المشتكى .
فمن المعروف أن فعل الصحابة ليس بحجة مع سنة رسول الله (ص) ، فما بالك وقد خالفه جمع من الصحابة كما سيأتي في بيان ذلك ! فما بالك ولم يصح هذا الفعل عن هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه !. ومن المعلوم أيضاً أن فعل أحد الصحابة ليس بحجة على الآخرين ، فلو صح أثر ابن مسعود لم يكن حجة على غيره ، والله أعلم .
والألباني قال في (ص 1/112) عن أثر بن مسعود : (وسنده صحيح إلى الصلت ) . أي أن سنده فيه انقطاع أي ضعف ، وأضف إلى ضعف السند ، النكارة التي في المتن ، فكيف يتعدى هذه الصحابي المجتهد الجليل رضي الله عنه على هذه المرأة ، ثم يضرب عبداً من عباد الله برجله … هل هذا هدي سيدنا رسول الله (ص) ؟! . ولماذا يحتج هنا بالموقوف الضعيف في الأحكام الشرعية وهو مردود اتفاقاً ، بينما يرد العمل الحديث الضعيف في الفضائل والمناقب ، وهو مقبول اتفاقاً . وهكذا تجد التعصب والتناقض يوقفان المرء موقع السقوط .
تنبيه :
قال الألباني في ضعيفته (1/112) ثم روى – أي ابن وضاح – عن أبان ابن أبي عياش قال سألت الحسن عن النظام – خيط ينظم فيه لؤلؤ وخرز ونحوهما – من الخرز والنوى ونحو ذلك يسبح به ؟ فقال : لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي (ص) ولا المهاجرات . وسنده ضعيف . (!) اهـ
لا أدري لماذا سود الألباني الورق ، وأتى بهذا الأثر الموضوع الذي لا قيمة له بالمرة ، لا في الشواهد ولا في المتابعت ؟ فإن في سنده أبان ابن أبي عياش كذاب مشهور ، فاعجب ألف مرة لقول الألباني سنده ضعيف ، فإن البون كبيربين الضعيف والموضوع .
والمصنفون في الرجال ترجموا لأبان ابن أبي عياش بما يكشف عن حاله ، لكنني أنقل ما نقله الألباني عنهم لترى تناقضه الغريب ولتعجب معي من صنيعه .
قال الألباني في ضعيفته حديث رقم (55) : أبان هو ابن أبي عياش الزاهد البصري ، قال أحمد : متروك الحديث ، وقال شعبة : لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان ، قلت – أي الألباني - : ولا يجوز أن يقال مثل هذا إلا فيمن هو كذاب معروف بذلك ، وقد كان شعبة يحلف على ذلك . اهـ .
وانظر الأحاديث رقم (129 ، 309 ، 311 ، 463) .
وكان الأولى أن يعترف بتقصيره ويشكر لمن أرشده ، ويحذف هذا الأثر تماماً . فلا فائدة في إيراده . وكان قد حكم على حديث أبان بن أبي عياش بالوضع أكثر من مرة في ضعيفته انظر (1/135 ، 253 ، 479 ، 482 ، 676 ) .
فانظر – رحمك الله – كيف يرى أن أبان كذاب معروف بذلك ، بينما يحكم على أثره في ص (112) بأنه ضعيف فقط .
بل إن أبان متهم بالكذب عن الحسن بالذات . قال أبو عوانة : كنت لا أسمع بالبصرة حديثاً إلا جئت به ، فحدثني – أي أبان – به عن الحسن حتى جمعت مصحفاً ، فما استحل أن أروي عنه . اهـ الميزان (1/11) . فالله المستعان على هذا التناقض .
وبعد فالذي يستشهد بالموضوع المتحقق وضعه عنده ، ولكن عن طريق تغيير حقيقة الحكم على السند لا شك أن يضحك على العوام بغية ترويج فكرته في بدعية السبحة .
فهل الأمانة العلمية تستدعي هذا العمل ؟
ولو كان الشيخ البوطي أو الصابوني أو غيرهما من الذين يرد عليهم الألباني فعلوا فعلته لأنزل عليهم وابلاً من الشتائم والاستهزاءات وغير ذلك . ورحم الله من كان عفيف اللسان منصفاً .
قوله : وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق إحداها .
أقول : أما الذي سبق فلا قيمة له هنا وتبين أنه ضعيف .
أما قوله من (طرق) ففيه إيهام أن هذه الطرق صحيحة أو حسنة معمول بها ، والأمر ليس كذلك ، وإليك بيان هذه الطرق .
الأول : قال ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 11) : أنا أسد / عن عبد الله بن رجاء عن عبيسد الله بن عمر ، عن يسار أبي الحكم أن عبد الله ابن مسعود حدث : أن أناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصى ، قال : فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : لقد أحدثتم بدعة ظلماً ، أو قد فضلتم أصحاب محمد (ص) علماً . اهـ
قلت : (يسار) تصحيف من الناسخ والصواب (سيار) ثقة ولكنه من أتباع التابعين ، التهذيب (4/291) .
ففي السند انقطاع .
أضف إلى هذه النكارة الواضحة في المتن كيف يرمي هذا الصحابي الجليل عباد الله بالحصى في المسجد ثم يرغمهم على الخروج منه فيخالف بذلك قوله (ً) : ما كان الرفق في شيء إلا زانه … الحديث . رواه مسلم عن عائشة .
قد يقول قائل : إن الطريقين السابقين لأثر ابن مسعود – طريق الصلت وطريق سيار – يقوي كل منهما الآخر فيكون هذا الأثر حسناً .
والجواب عليه أن الانقطاع لا يتقوى بمثله لاتخاذ المخرج ، ولا احتمال أن يكون هناك أكثر من راوٍ سقط في الانقطاع ، فكيف يتقوى من هذا حاله بمثله ؛ أضف إلى هذا الاختلاف الواضح بين المتنين فلا يتقوى أحدهما بالآخر . ففي الأول أنه مر على إمرأة ثم رجل فقطع وضرب ، وفي الثاني أنه رمى الناس ثم أخرجهم من المسجد … فافهم وتدبر .
الثاني : قال ابن وضاح : حدثني إبراهيم بن محمد ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، قال : حدثني ابن سمعان قال : بلغنا عن ابن مسعود أنه رأى أناساً يسبحون بالحصى فقال : على الله تحصون ، سبقتم أصحاب محمد (ص) علماً ، أو لقد أحدثتم بدعة ظلماً . اهـ .
قلت :سنده موضوع ، وابن سمعان هو عبد الله بن زياد المخزومي كذبه غير واحد ولم يسمع من ابن مسعود التهذيب (5/219) .
بقي ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ما رواه الدارمي قال : أخبرنا الحكم بن المبارك ، أن عمر بن يحيى قال : سمعت أبي يحدث ، عن أبيه : قال كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا . فجلس حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاُ ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيراً ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصاً ، فيقول كبروا مائة . فيكبرون مائة ، فيقول هللوا مائه . فيهللون مائة ، ويقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم ؟ .
ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الله حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيئ ، ويحكم أمة محمد ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم (ص) متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة ! ، قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله (ص) حدثنا : إن قوماً يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنه . فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج . اهـ .
قلت : إن صح (!) هذا إلى ابن مسعود – إذ في الحكم بن المبارك مقال - فإن فيه إنكار عد التسبيح فقط ، فإنهم لما قالوا : يا أبا عبد الرحمن حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ، أنكر ابن مسعود العد فقط بقوله : (عدوا سيئاتكم … الخ ) وسكت عن الحصى .
ففيه دليل جلي واضح على جواز استعمال الحصى في التسبيح عن ابن مسعود . فهو لم يذكر الحصى بكلمة واحدة ، ففيه إقرار للتسبيح بالحصى ، وكلام صاحب إحكام المباني ( ص 60) مكابرة لا يشتغل بردها والمكابر لا كلام لنا معه فيما كابر فيه . وكان مذهب ابن مسعود رضي الله عنه كراهة العد . قال ابن أبي شيبة في المصنف : حدثن أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان عبد الله يكره العد ، ويقول : أيُمَنُّ على الله حسناته ، اهـ . المصنف (2/391) .
سنده صحيح ، أبو معاوية هو محمد بن خازم التميمي ثقة لا سيما عن الأعمش ، والأعمش ثقة وإن كان مدلساً وقد عنعن ، لكن روايته عن إبراهيم محمولة على السماع كما ذكر ذلك الذهبي في الميزان(2/224) .
المؤاخذة الرابعة : قوله : (وقد تلقى … الخ ) .
هذا خطأ بناه على خطأ ، لأنه قد مر بك أنه لم يصح عن ابن مسعود رضي الله عنه إنكار التسبيح بالحصى ، بل مر جواز ذلك عنه .
* * *
أما عن سند أثر النخعي رحمه الله تعالى :
فقال ابن أبي شيبة في المصنف (2/391) : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن إبراهيم أنه كان ينهىي ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها .؟
قلت : هذا السند فيه إبراهيم بن المهاجر ، وفيه تعديل وجرح مفسر ، فحديثه ضعيف . التهذيب (1 / 168) ؛ الجرح والتعديل (1/1/132) . قال الثوري وأحمد : لا بأس به ، وقال أبو داود تبعاً لشيخه : صالح الحديث ، لكن ضعفه يحيى بن معين وابن حبان ويحيى ابن سعيد والدارقطني وهو الراجح عن النسائي وغمزه شعبة .
والجرح المفسر فيه هو قول الدار قطني : حدث بأحاديث لا يتابع عليها . وقال أبو حاتم الرازي : ليس بالقوي هو وحصين وعطاء بن السائب ، قريب بعضهم من بعض ، ومحلهم عندنا محل الصدق ، يكتب حديثهم ولا يحتج به .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : قلت لأبي : ما معنى لا يحتج بحديثهم ؟ قال : كانوا لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون ، فيغلطون ترى في أحاديثهم اضطرابات ما شئت . اهـ
وفي مقدمة الفتح _ (ص 390 ) : قال ابن أبي خثيمة في تاريخه : قيل ليحيى بن معين : إن إسرائيل روى عن أبي القتات وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة – يعني مناكير - ، فقال : لم يؤت منه – أي إسرائيل – أتي منهما . اهـ
فهل بعد هذا الجرح المفسر من الأئمة يقبل تفرد ابن مهاجر ؟ .
وإذا علمت ما سبق تبين لك أن ابم مهاجر المذكور لا يجود حديثه إلابمتابع ، أما إذا انفرد فضعيف .
فمن الخطأ البين قول الألباني في الرد على التعقب الحثيث ص (53) : رجاله كلهم ثقات .. !!
ومن تناقض الألباني أنه رد تصحيح الحاكم والذهبي لحديث فيه إبراهيم بن مهاجر المذكور فقال ما نصه : قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي فقال : قلت على شرط مسلم ، فعقب عليهما الألباني قائلاً : وهو كما قالا لولا أن فيه إبراهيم بن مهاجر قال الحاف : صدوق لين الحفظ . انتهى من إروائه (5 / 47 ) .
فانظر إلى رد الألباني التصحيح بقوله : لولا أن فيه إبراهيم بن مهاجر … إلخ .
قلت : العكس هو الصواب فمن ضعفه هم الأكثرون ، فالرجل ضعفه :
1- شعبة . 2- يحيى بن سعيد القطان 3- يحيى بن معين 4- أبو حاتم الرازي 5- يعقوب ابن سفيان الفسوي . 6- النسائي 7 – الدار قطني 8- العقيلي 9 – ابن حبان 10 – ابن عدي .
فهؤلاء عشرة من الأئمة الحفاظ قد ضعفوه فكيف يدعي المعترض أن من وثق ابن المهاجر أكثر ممن ضعفه ، وقد ذكر أن موثقيه سبعة فقط وذكر منهم أحمد بن حنبل وفي ذكره أحمد بن حنبل ضمن الموثقين نظر .
ففي الضعفاء للعقيلي (1/67) عن عبد الله بن أحمد قال : سألت أبي عن إبراهيم المهاجر . فقال كذا وكذا ؟ اهـ
قال الذهبي في الميزان (3/339) هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيراً فيما يجيبه به والده ، وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين . اهـ .
أما اعتباره أن الجرح المفسر هو قول الدار قطني (فقط) : حدث بأحاديث لا يتابع عليها اهـ ففيه نظر أيضاً فإن الجرح المفسر هو قول الدار قطني وقول أبي حاتم الرازي التقدم ذكره ، وروايته المناكير التي أشار إليها يحيى بن معين . فالرجل كان لا يحفظ فيضطرب ويروي المناكير ، وهو معنى قول الدار قطني : حدث بأحاديث لا يتابع عليها . وكان الأولى أن لا يسود صاحب إحكام المباني الورق حتى لا يفتضح فيصدق فيه المثل (على نفسها جنت براقش ) .
ورد على صحاب إحكام المباني (ص 61) بأن الألباني أرد تحسين حديثه ، فأقول له : إن لم تقنع بهذه فخذ ثانية وهي قول شيخك الألباني في إبراهيم بن المهاجر صدوق لين الحفظ فهو علة الحديث كذا في ضعيفته (3/448) .
وثالثة وهي قول الألباني في ضعيفته (4/261) : عن إبراهيم البجلي ضعيف لسوء حفظه . اهـ
فانظر – رحمك الله – إلى هذا الألباني يتناقض في الراوي الواحد فيقبله عند المصلحة ويضعفه عند انعداماه ، فالله المستعان . فأين المعترضون على عباد الله تعالى الذاكرين له ؟ تركوا تقليد الأئمة المجمع على جلالتهم بدعوى العمل بالدليل ، فوقعوا في الأخطاء والتناقض والتحريف والمخالفة للمتفق عليه هدانا الله وإياكم .
ثم اعلم أن إبراهيم النخهي – رحمه الله تعالى – لم ينه ابنته عن التسبيح بالنوى أو السبح ولكنه نهاها – إن صح عنه – عن فتل الخيوط ، ولا يلزم من نهيها عن فتل الخيوط نهيها عن استعمالها ، لأن هذا النهي يحتمل أن يكون بسببعدم رغبته في اختلاط ابنته بالنساء ، أو بسبب أنه مشتغل بالعلم وقد تأتي النساء لمنزله مما يسبب له ضرراً ، أو اتباعاً لشيخه عبد الله بن مسعود في كراهة العد فقط ، إلى غير ذلك من الاحتمالات ، وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
ولكن الذي فات الألباني أن أثر إبراهيم النخعي فيه أن النساء كان لهن تسابيح يسبحن بها ، وهذا كان في عصر التابعين ، فقد أتى الألباني بما عليه لا له فافهم أخي القارئ وتدبر .
* * *
يتبع ...
المؤاخذة الثانية : أما الحكم على أن ذكر الحصى في القصة فخطأ من الألباني ، وهو فرع ناتج عن حكمه المخطئ الذي نشأ عن عدم البحث والتتبع وقد أده كل ذلك إلى تضعيف حديثي سعيد وصفية الثابتين كما تقدم .
* * *
تنبيه :
والعجب من صاحب إحكام المباني الذي استعاذ بالله من التقليد (ص 26 ) فإنه في الواقع استعاذ من تقليد أحد إلا الألباني ، فإنه لا يزال يصر على ترديد صدى كلامه والدوران في فلكه ، تى في ذكر نكارة الحصى التي لم يسبق إليها !! .
وكلام الحافظ في أمالي الأذكار (1/78) لا يؤيده فإنه احتمل أن تكون المرأة المبهمة جويرية ، ثم استدرك قائلاً : لكن سياقه بغير هذا اللفظ .
ثم احتمل أن تكون صفية ، ولكنه استدرك قائلاً ولكن باختصار ، وفيه ذكر عدد النوى الذي كانت تسبح به . اهـ .
فالحافظ – رحمه الله تعالى – احتمل احتمالاً ، ثم استدرك على الاحتمال ، فسقط هذا الاحتمال وبقي كل حديث قائم بنفسه . فالحافظ لم يقنع بأن المرأة المبهمة هي جويرية أو صفية فلم يجزم في محل الاحتمال ، وهذا سبيل أهل العلم .
ثم إن دعوة النكارة لا تصح على قواعد الحدثين البتة لأنها تفترض مخالفة الضعيف للقة وهذه ثلاثة أحاديث مخارجها مختلفة ومتباعدة ، فكيف تصح دعاوى النكارة هنا ؟ ومن خالف من ؟ نعوذ بالله من الهوى والتخبط .
المؤاخذة الثالثة : أما قول الألباني : يؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم … إلى قوله إن شاء الله . اهـ ففيه نظر .
اعلم وفقني الله وإياك إلى اتباع الحق أن هذا الإنكار لم يثبت ، وهاك الأثر الذي اعتمده الألباني في ضعيفته (1 /112) قال ابن وضاح القرطبي في البدع والنهي عنها (ص12) : أنا أسد عن جرير بن حازم عن الصلت بن بهرام قال : مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله ، ثم قال : لقد سبقتم ، ركبتم بدعة ظلماً ، أو لقد غلبتم أصحاب محمد (ص) علماً .
قلت : هذا إسناد ضعيف للانقطاع الذي بين الصلت بن بهرام وابن مسعود رضي الله عنه لأن بن بهرام وإن كان ثقة ، لكنه من أتباع التابعين ، التهذيب (4/432) .
ثم لماذا يستدل الألباني بهذا الأثر الضعيف الموقوف على أن ذكر الحصى منكر ؟ وهل رأيت – أخي القارئ – من يجعل الموقوف الضعيف حكماً على المرفوع الصحيح ؟! … إلى الله المشتكى .
فمن المعروف أن فعل الصحابة ليس بحجة مع سنة رسول الله (ص) ، فما بالك وقد خالفه جمع من الصحابة كما سيأتي في بيان ذلك ! فما بالك ولم يصح هذا الفعل عن هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه !. ومن المعلوم أيضاً أن فعل أحد الصحابة ليس بحجة على الآخرين ، فلو صح أثر ابن مسعود لم يكن حجة على غيره ، والله أعلم .
والألباني قال في (ص 1/112) عن أثر بن مسعود : (وسنده صحيح إلى الصلت ) . أي أن سنده فيه انقطاع أي ضعف ، وأضف إلى ضعف السند ، النكارة التي في المتن ، فكيف يتعدى هذه الصحابي المجتهد الجليل رضي الله عنه على هذه المرأة ، ثم يضرب عبداً من عباد الله برجله … هل هذا هدي سيدنا رسول الله (ص) ؟! . ولماذا يحتج هنا بالموقوف الضعيف في الأحكام الشرعية وهو مردود اتفاقاً ، بينما يرد العمل الحديث الضعيف في الفضائل والمناقب ، وهو مقبول اتفاقاً . وهكذا تجد التعصب والتناقض يوقفان المرء موقع السقوط .
تنبيه :
قال الألباني في ضعيفته (1/112) ثم روى – أي ابن وضاح – عن أبان ابن أبي عياش قال سألت الحسن عن النظام – خيط ينظم فيه لؤلؤ وخرز ونحوهما – من الخرز والنوى ونحو ذلك يسبح به ؟ فقال : لم يفعل ذلك أحد من نساء النبي (ص) ولا المهاجرات . وسنده ضعيف . (!) اهـ
لا أدري لماذا سود الألباني الورق ، وأتى بهذا الأثر الموضوع الذي لا قيمة له بالمرة ، لا في الشواهد ولا في المتابعت ؟ فإن في سنده أبان ابن أبي عياش كذاب مشهور ، فاعجب ألف مرة لقول الألباني سنده ضعيف ، فإن البون كبيربين الضعيف والموضوع .
والمصنفون في الرجال ترجموا لأبان ابن أبي عياش بما يكشف عن حاله ، لكنني أنقل ما نقله الألباني عنهم لترى تناقضه الغريب ولتعجب معي من صنيعه .
قال الألباني في ضعيفته حديث رقم (55) : أبان هو ابن أبي عياش الزاهد البصري ، قال أحمد : متروك الحديث ، وقال شعبة : لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان ، قلت – أي الألباني - : ولا يجوز أن يقال مثل هذا إلا فيمن هو كذاب معروف بذلك ، وقد كان شعبة يحلف على ذلك . اهـ .
وانظر الأحاديث رقم (129 ، 309 ، 311 ، 463) .
وكان الأولى أن يعترف بتقصيره ويشكر لمن أرشده ، ويحذف هذا الأثر تماماً . فلا فائدة في إيراده . وكان قد حكم على حديث أبان بن أبي عياش بالوضع أكثر من مرة في ضعيفته انظر (1/135 ، 253 ، 479 ، 482 ، 676 ) .
فانظر – رحمك الله – كيف يرى أن أبان كذاب معروف بذلك ، بينما يحكم على أثره في ص (112) بأنه ضعيف فقط .
بل إن أبان متهم بالكذب عن الحسن بالذات . قال أبو عوانة : كنت لا أسمع بالبصرة حديثاً إلا جئت به ، فحدثني – أي أبان – به عن الحسن حتى جمعت مصحفاً ، فما استحل أن أروي عنه . اهـ الميزان (1/11) . فالله المستعان على هذا التناقض .
وبعد فالذي يستشهد بالموضوع المتحقق وضعه عنده ، ولكن عن طريق تغيير حقيقة الحكم على السند لا شك أن يضحك على العوام بغية ترويج فكرته في بدعية السبحة .
فهل الأمانة العلمية تستدعي هذا العمل ؟
ولو كان الشيخ البوطي أو الصابوني أو غيرهما من الذين يرد عليهم الألباني فعلوا فعلته لأنزل عليهم وابلاً من الشتائم والاستهزاءات وغير ذلك . ورحم الله من كان عفيف اللسان منصفاً .
قوله : وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق إحداها .
أقول : أما الذي سبق فلا قيمة له هنا وتبين أنه ضعيف .
أما قوله من (طرق) ففيه إيهام أن هذه الطرق صحيحة أو حسنة معمول بها ، والأمر ليس كذلك ، وإليك بيان هذه الطرق .
الأول : قال ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص 11) : أنا أسد / عن عبد الله بن رجاء عن عبيسد الله بن عمر ، عن يسار أبي الحكم أن عبد الله ابن مسعود حدث : أن أناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصى ، قال : فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد ، ويقول : لقد أحدثتم بدعة ظلماً ، أو قد فضلتم أصحاب محمد (ص) علماً . اهـ
قلت : (يسار) تصحيف من الناسخ والصواب (سيار) ثقة ولكنه من أتباع التابعين ، التهذيب (4/291) .
ففي السند انقطاع .
أضف إلى هذه النكارة الواضحة في المتن كيف يرمي هذا الصحابي الجليل عباد الله بالحصى في المسجد ثم يرغمهم على الخروج منه فيخالف بذلك قوله (ً) : ما كان الرفق في شيء إلا زانه … الحديث . رواه مسلم عن عائشة .
قد يقول قائل : إن الطريقين السابقين لأثر ابن مسعود – طريق الصلت وطريق سيار – يقوي كل منهما الآخر فيكون هذا الأثر حسناً .
والجواب عليه أن الانقطاع لا يتقوى بمثله لاتخاذ المخرج ، ولا احتمال أن يكون هناك أكثر من راوٍ سقط في الانقطاع ، فكيف يتقوى من هذا حاله بمثله ؛ أضف إلى هذا الاختلاف الواضح بين المتنين فلا يتقوى أحدهما بالآخر . ففي الأول أنه مر على إمرأة ثم رجل فقطع وضرب ، وفي الثاني أنه رمى الناس ثم أخرجهم من المسجد … فافهم وتدبر .
الثاني : قال ابن وضاح : حدثني إبراهيم بن محمد ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، قال : حدثني ابن سمعان قال : بلغنا عن ابن مسعود أنه رأى أناساً يسبحون بالحصى فقال : على الله تحصون ، سبقتم أصحاب محمد (ص) علماً ، أو لقد أحدثتم بدعة ظلماً . اهـ .
قلت :سنده موضوع ، وابن سمعان هو عبد الله بن زياد المخزومي كذبه غير واحد ولم يسمع من ابن مسعود التهذيب (5/219) .
بقي ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ما رواه الدارمي قال : أخبرنا الحكم بن المبارك ، أن عمر بن يحيى قال : سمعت أبي يحدث ، عن أبيه : قال كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا : لا . فجلس حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعاُ ، فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيراً ، قال : فما هو ؟ فقال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصاً ، فيقول كبروا مائة . فيكبرون مائة ، فيقول هللوا مائه . فيهللون مائة ، ويقول سبحوا مائة ، فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك ، قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم ، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم ؟ .
ثم مضى ومضينا معه ، حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الله حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ، قال : فعدوا سيئاتكم ، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيئ ، ويحكم أمة محمد ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم (ص) متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل ، وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة ! ، قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير ، قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه ، إن رسول الله (ص) حدثنا : إن قوماً يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم ، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ، ثم تولى عنه . فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج . اهـ .
قلت : إن صح (!) هذا إلى ابن مسعود – إذ في الحكم بن المبارك مقال - فإن فيه إنكار عد التسبيح فقط ، فإنهم لما قالوا : يا أبا عبد الرحمن حصاً نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ، أنكر ابن مسعود العد فقط بقوله : (عدوا سيئاتكم … الخ ) وسكت عن الحصى .
ففيه دليل جلي واضح على جواز استعمال الحصى في التسبيح عن ابن مسعود . فهو لم يذكر الحصى بكلمة واحدة ، ففيه إقرار للتسبيح بالحصى ، وكلام صاحب إحكام المباني ( ص 60) مكابرة لا يشتغل بردها والمكابر لا كلام لنا معه فيما كابر فيه . وكان مذهب ابن مسعود رضي الله عنه كراهة العد . قال ابن أبي شيبة في المصنف : حدثن أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان عبد الله يكره العد ، ويقول : أيُمَنُّ على الله حسناته ، اهـ . المصنف (2/391) .
سنده صحيح ، أبو معاوية هو محمد بن خازم التميمي ثقة لا سيما عن الأعمش ، والأعمش ثقة وإن كان مدلساً وقد عنعن ، لكن روايته عن إبراهيم محمولة على السماع كما ذكر ذلك الذهبي في الميزان(2/224) .
المؤاخذة الرابعة : قوله : (وقد تلقى … الخ ) .
هذا خطأ بناه على خطأ ، لأنه قد مر بك أنه لم يصح عن ابن مسعود رضي الله عنه إنكار التسبيح بالحصى ، بل مر جواز ذلك عنه .
* * *
أما عن سند أثر النخعي رحمه الله تعالى :
فقال ابن أبي شيبة في المصنف (2/391) : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن حسن ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن إبراهيم أنه كان ينهىي ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها .؟
قلت : هذا السند فيه إبراهيم بن المهاجر ، وفيه تعديل وجرح مفسر ، فحديثه ضعيف . التهذيب (1 / 168) ؛ الجرح والتعديل (1/1/132) . قال الثوري وأحمد : لا بأس به ، وقال أبو داود تبعاً لشيخه : صالح الحديث ، لكن ضعفه يحيى بن معين وابن حبان ويحيى ابن سعيد والدارقطني وهو الراجح عن النسائي وغمزه شعبة .
والجرح المفسر فيه هو قول الدار قطني : حدث بأحاديث لا يتابع عليها . وقال أبو حاتم الرازي : ليس بالقوي هو وحصين وعطاء بن السائب ، قريب بعضهم من بعض ، ومحلهم عندنا محل الصدق ، يكتب حديثهم ولا يحتج به .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : قلت لأبي : ما معنى لا يحتج بحديثهم ؟ قال : كانوا لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون ، فيغلطون ترى في أحاديثهم اضطرابات ما شئت . اهـ
وفي مقدمة الفتح _ (ص 390 ) : قال ابن أبي خثيمة في تاريخه : قيل ليحيى بن معين : إن إسرائيل روى عن أبي القتات وعن إبراهيم بن مهاجر ثلاثمائة – يعني مناكير - ، فقال : لم يؤت منه – أي إسرائيل – أتي منهما . اهـ
فهل بعد هذا الجرح المفسر من الأئمة يقبل تفرد ابن مهاجر ؟ .
وإذا علمت ما سبق تبين لك أن ابم مهاجر المذكور لا يجود حديثه إلابمتابع ، أما إذا انفرد فضعيف .
فمن الخطأ البين قول الألباني في الرد على التعقب الحثيث ص (53) : رجاله كلهم ثقات .. !!
ومن تناقض الألباني أنه رد تصحيح الحاكم والذهبي لحديث فيه إبراهيم بن مهاجر المذكور فقال ما نصه : قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي فقال : قلت على شرط مسلم ، فعقب عليهما الألباني قائلاً : وهو كما قالا لولا أن فيه إبراهيم بن مهاجر قال الحاف : صدوق لين الحفظ . انتهى من إروائه (5 / 47 ) .
فانظر إلى رد الألباني التصحيح بقوله : لولا أن فيه إبراهيم بن مهاجر … إلخ .
قلت : العكس هو الصواب فمن ضعفه هم الأكثرون ، فالرجل ضعفه :
1- شعبة . 2- يحيى بن سعيد القطان 3- يحيى بن معين 4- أبو حاتم الرازي 5- يعقوب ابن سفيان الفسوي . 6- النسائي 7 – الدار قطني 8- العقيلي 9 – ابن حبان 10 – ابن عدي .
فهؤلاء عشرة من الأئمة الحفاظ قد ضعفوه فكيف يدعي المعترض أن من وثق ابن المهاجر أكثر ممن ضعفه ، وقد ذكر أن موثقيه سبعة فقط وذكر منهم أحمد بن حنبل وفي ذكره أحمد بن حنبل ضمن الموثقين نظر .
ففي الضعفاء للعقيلي (1/67) عن عبد الله بن أحمد قال : سألت أبي عن إبراهيم المهاجر . فقال كذا وكذا ؟ اهـ
قال الذهبي في الميزان (3/339) هذه العبارة يستعملها عبد الله بن أحمد كثيراً فيما يجيبه به والده ، وهي بالاستقراء كناية عمن فيه لين . اهـ .
أما اعتباره أن الجرح المفسر هو قول الدار قطني (فقط) : حدث بأحاديث لا يتابع عليها اهـ ففيه نظر أيضاً فإن الجرح المفسر هو قول الدار قطني وقول أبي حاتم الرازي التقدم ذكره ، وروايته المناكير التي أشار إليها يحيى بن معين . فالرجل كان لا يحفظ فيضطرب ويروي المناكير ، وهو معنى قول الدار قطني : حدث بأحاديث لا يتابع عليها . وكان الأولى أن لا يسود صاحب إحكام المباني الورق حتى لا يفتضح فيصدق فيه المثل (على نفسها جنت براقش ) .
ورد على صحاب إحكام المباني (ص 61) بأن الألباني أرد تحسين حديثه ، فأقول له : إن لم تقنع بهذه فخذ ثانية وهي قول شيخك الألباني في إبراهيم بن المهاجر صدوق لين الحفظ فهو علة الحديث كذا في ضعيفته (3/448) .
وثالثة وهي قول الألباني في ضعيفته (4/261) : عن إبراهيم البجلي ضعيف لسوء حفظه . اهـ
فانظر – رحمك الله – إلى هذا الألباني يتناقض في الراوي الواحد فيقبله عند المصلحة ويضعفه عند انعداماه ، فالله المستعان . فأين المعترضون على عباد الله تعالى الذاكرين له ؟ تركوا تقليد الأئمة المجمع على جلالتهم بدعوى العمل بالدليل ، فوقعوا في الأخطاء والتناقض والتحريف والمخالفة للمتفق عليه هدانا الله وإياكم .
ثم اعلم أن إبراهيم النخهي – رحمه الله تعالى – لم ينه ابنته عن التسبيح بالنوى أو السبح ولكنه نهاها – إن صح عنه – عن فتل الخيوط ، ولا يلزم من نهيها عن فتل الخيوط نهيها عن استعمالها ، لأن هذا النهي يحتمل أن يكون بسببعدم رغبته في اختلاط ابنته بالنساء ، أو بسبب أنه مشتغل بالعلم وقد تأتي النساء لمنزله مما يسبب له ضرراً ، أو اتباعاً لشيخه عبد الله بن مسعود في كراهة العد فقط ، إلى غير ذلك من الاحتمالات ، وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
ولكن الذي فات الألباني أن أثر إبراهيم النخعي فيه أن النساء كان لهن تسابيح يسبحن بها ، وهذا كان في عصر التابعين ، فقد أتى الألباني بما عليه لا له فافهم أخي القارئ وتدبر .
* * *
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
* * *
فصل
ثم قال الألباني في ضعيفته (1/114 – 115) :
الثاني : عن صفية قالت : دخل علي النبي (ص) وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن فقال : يا بنت حيي ما هذا ؟
قلت : أسبح بهن .
قال : قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا .
قلت : علمني يا رسول الله .
قال : قولي سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء .
أخرجه الترمذي (4/274) ، وأبو بكر الشافعي في الفوائد (72/255/1) والحاكم (1/547) . من طريق هاشم بن سعيد عن كنانة مولى صفية عنها .
وضعفه الترمذي بقوله : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي ، وليس إسناده بمعروف ، وفي الباب عن ابن عباس .
وأما الحاكم فقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي وهذا منه عجب ، فأن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في الميزان وقال : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال ابن عدي : مقدار ما يرويه لا يتابع عليه . ولهذا قال الحافظ في التقريب : ضعيف .
وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان .
انتهى كلام الألباني .
* * *
ومن تناقض الألباني أنه يعمد إلى مثل كنانة فيحسن حديثه تماماً ، بينما يضعف كنانة هنا ...!
وخذ هذين النصين من كتبه :
قال في إروائه (5/21): طلحة بن عبد الله لم يوثقه غير ابن حبان ، لكن روى عنه جماعة فهو حسن الحديث إن شاء الله ، وفي التقريب : مقبول . انتهى بنصه .
وسلم لي أيضاً صاحب إحكام المباني تعقبي (ص40) واعتذر عن الألباني بأنه في سند أثر موقوف حول بعض مسائل العقيدة . قلت : قواعد الاصطلاح لا تفرق بين المرفوع والموقوف فكله نظر في الإسناد ثم كونه في العقيدة أدعى للتشدد . فتأمل .
ثم إذا كان هذا المعترض يدعو للتساهل في الموقوف فما بالنا نراه يتشدد في الآثار التي ذكرتها في آخر رسالتي . نعوذ بالله من التعصب المؤدي للتناقض . وقال في إرواء غليله (1 /242) : (الحسن بن محمد العبدي أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/2/35) فقال : روى عن أبي زيد الأنصاري ، روى عنه علي ابن المبارك الهنائي . قلت – أي الألباني -: فقد روى عنه إسماعيل بن مسلم أيضاً كما ترى وهو العبدي القاضي ، وبذلك ارتفعت جهالة عينه ، وقد ذكره ابن الحبان في الثقات (4 /124) ثم هو تابعي ) اهـ فانظر إلى مجهول الحال الذي يحسن حديثه ، بينما يرد حديث كنانة بقوله : كنانة مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان ، ثم يذكر تساهل ابن حبان في الحاشية ..!! واعترض علي صاحب إحكام المباني (ص41) فقال : هذا ما نقله محمود سعيد وهو نقل مبتور ، بتر منه أهم شيء فيه ثم صرح بأنه قول الألباني : وقد روى أمراً شاهده فالنفس تطمئن إلى مثل هذه الرواية . اهـ .
وجوابه سهل : هب أن كذاباً شاهد أمراً ثم رواه فهل هذا يقوي من روايته . !! فالعبرة بحال الراوي لا غير .
ويقول في صحيحته (2/517) بعد تصحيحه لحديث مالك بن الخير الزيادي : والزيادي ترجمع ابن أبي حاتم (4/1/208) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً لكن روى عنه جماعة من الثقات ، وثقة ابن حبان . اهـ .
وقبل أن أنهي الكلام على هذه المؤاخذة ، لنا وقفة مع الشيخ الألباني : فإنه قال في الحاشية (ص 98) : أشار – أي الحافظ – في التقريب إلى أنه – أي كنانة – لين الحديث .
بينما نص عبارة الحافظ في التقريب هي : كنانة مولى صفية يقال اسم أبيه نبيه ، مقبول ضعفه الأزدي بلا حجة من الثالثة ب خ ت انتهى .
والحافظ بين في المقدمة الفرق بين المقبول واللين ، فالأول وهو المقبول له متابع – وقد توبع كنانة – وهو أحسن حالاً من الثاني أي اللين .
فما الداعي لتغيير كلام الحافظ والتصرف فيه . ؟!
وما اسم هذا الفعل يا فضيلة الشيخ . ؟
هل هو إخبار بغير الواقع أم لا . ؟!
المؤاخذة الثانية : في الكلام على هاشم بن سعيد الكوفي ، فقال عنه أحمد : لا أعرفه ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه أبو حاتم الرازي .
وقال ابن عدي بعد أن ذكر له بعض الأحاديث : ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه .
قلت : أما قول ابن معين : (ليس بشيء) فقد يكون معناه أن الراوي قليل الحديث قال الحافظ في مقدمة الفتح (ص 421) في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله في بعض الروايات (وليس بشيء) يعني أن أحاديثه قليلة جداً . اهـ .
فإن قيل قد يعني ابن معين بقوله (ليس بشيء ) التضعيف ، وعليه بنى صاحب إحكام المباني الرد عليَّ (ص 38 ) .
فهذا يجاب عنه بأن الحمل على الأول وهو قلة روايته أولى، لموافقتة للواقع ، فإن هاشم بن سعيد الكوفي كان قليل الرواية ، حتى أن بعضهم لم يعرفه بسبب قلة روايته أو ندرتها ، وقد قال عنه الذهبي في الديوان : كوفي مقل .
أما قول الإمام أحمد : لا أعرفه فإنه لا يضره ، فقد عرفه غيره .
وكذا كلام بن عدي لا يضره لأنه قال : ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه اهـ .
والرجل قد توبع وستأتي هذه المتابعة إن شاء الله تعالى .
بقى لنا توثيق ابن حبان وتضعيف أبي حاتم ، فيكون الراوي فيه لين أو ضعف قريب ، ولذلك أرى أن أعدل الأقول فيه قول الحافظ الذهبي في الكاشف (3/217) : ضعف .
فيكون سند حديث صفية رشي الله تعالى عنها فيه ضعف من هذا الوجه فقط ، ولكن المتن حسن نظراً لما له من متابع بل وشاهد .
المؤاخذة الثالثة : الشاهد للمتن قريب جداً ، وهو حديث سعد بن أبي وقاص المذكور ، فهو شاهد قوي للمتن ، فيكون الحديث حسناً لغيره به فقط .
وإذا كان حديثا سعد وصفية رضي الله عنهما ضعيفين في نظر المعارض ، فلماذا لا يقوي كل منهما الآخر ، فيصير كل منهما شاهداً للآخر ، فيكون الحديث حسناً لغيره ، هذا إذا قلنا برأي الألباني الذي ضعف الحديثين .
وهو ملزم بهذا التقرير الذي تؤيده القواعد الحديثية ، وبه أيضاً ينهدم كل ما كتبه الألباني عن السبحة .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
المؤاخذة الرابعة : أما المتابعة فقد توبع هاشم بن سعيد الكوفي ، أخرج هذه المتابعة الطبراني عن روح بن الفرج ، ثنا عمرو بن خالد ، ثنا حديج بن معاوية ، ثنا كنانة مولى صفية بن حيي رضي الله عنها .
وانظر أمالي الأذكار – المجلس الخامس عشر – مصورة بمكتبة الحرم المكي الشريف .
وروح بن الفرج القطان المصري ثقة ، من مشايخ الطبراني والطحاوي .
وعمرو بن خالد ، ثقة ثبت ، من رجال البخاري .
وحديج بن معاوية فيه مقال طويل ، حاصله ما قاله الحافظ في التقريب : صدوق يخطئ .
فهذه متابعة قوية لهاشم بن سعيد الكوفي ، فيكون الحديث حسناً بلا ريب ، ولذا حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار (ل 177 /1) .
ألا يكفي هذا بمفرده لهدم كل ما كتبه الألباني ؟
* * *
تنبيه :
حاول صاحب إحكام المباني (ص 44 – 47 ) رد هذه المتابعة فذكر وجهيم مردودين :
أولهما بالنظر لحال حديج بن معاوية .
وثانيهما بالنظر إلى الإسناد .
أما عن الوجه الأول فقد قال عن حديج بن معاوية : ليس فيه توثيق معتد به صريح إلا قول أحمد (فيه لا أعلم إلا خيراً) ومع ذلك فهو ليس صريحاً ثم ذكر كلام من ضعفه .
قلت : لن أسترسل معك في تقرير حال حديج بن معاوية وأكتفي بإحالته لكتب الألباني – الذي كتب للدفاع عنه – فإنه قال عنه في صحيحته (4/567) : وهو – أي حديج بن معاوية – صدوق يخطئ كما قال الحافظ في التقريب فهو ممن يستشهد به . اهـ .
ثم عدم قبول حديث حديج ابن معاوية في المتابعات خطأ مخالف للقواعد ، فالرجل كان صدوقاً في نفسه ، ومن تكلم فيه فبسبب سوء حفظه لا غير ، ولم يتهم بالكذب فمثله يحسن حديثه في المتابعات – ولا بد – بل ترى الألباني يحسن في المتابعات من حاله أقوى من حديج بن معاوية في الضعف ، والقائمة طويلة ولها مكانها …
وأما الوجه الثاني فهو بالنظر إلى الإسناد .
فاعتراضه (ص 46) حاصله : أن هذه المتابعة لم تصح ، وهي ترجع إلى أصل الحديث ، وهو هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية واستدل على ذلك بأمرين :
أولهما : قول الترمذي : لا نعرفه من هذا الوجه إلامن حديث هاشم بن سعيد الكوفي .
ثانيهما : أن ثلاثة من الثقات قد رووه عن كنانة بإثبات هاشم وهو:
1- عبد الله بن يزيد .
2- عبد الصمد بن عبد الوارث .
3- شاذ بن فياض .
ولم يروه عن كنانة مباشرة إلا حديج بن معاوية ، والثلاثة أرجح .
قلت : قول الترمذي لا يصلح دليلاً لنفي وجه آخر، فكم صرح الترمذي ومن في طبقته بعدم العلم بوجود وجه آخر ثم يأتي من يتأخر عنهم فيذكر طرقاً لم تقع لغيره (*) ، فالترمذي قال ذلك حسبما وقع له ، فهو مبلغ علمه لا غير .
على أن عبارة الترمذي لا تخلو من نكته ، وهي أنه نفى معرفته فقط ، ولم ينف الوقوع كما ادعى المعارض ، فلله دره ما أضبط ألفاظه .
على أننا ونحن بصدد الكلام على عبارة الترمذي على أمرين :
الأمر الأول : أن نصدق قول الترمذي وفق مراد المعترض ، ونكذب الواقع المحسوس ، وهو وجود متابعة لهاشم بن سعيد الكوفي ، ومتابعة أخرى لكنانة ، سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى .
(*) ولحافظ العصر السيد أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى مصنف سماه (ليس كذلك) خاص بالاستدراك على الحفاظ المتقدمين في نحو ذلك ، عندى مجلد منه .
فلا بد أن الواقع أقوى من غيره ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ويوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ، هذا مع الاعتراف بالفضل والإمامة للسابق .
أما عن الأمر الثاني الذي حاول أن يرد به هذا المتبعة فأقول وبالله التوفيق :
كلام المعترض فيه نظر ، ولا أدري لماذا هذا التسرع في النظر في الأسانيد ، فالخلاف ليس بين الثلاثة الذين ذكرهم وحديج بن معاوية .
ذلك أن الخلاف – وهو لا وجود له إلا في مخيلة المعترض – يقع بين عمرو بن خالد والثلاثة المذكورين .
فعمرو بن خالد قال : ثنا حديج بن معاوية ثنا كنانة .
والثلاثة قالوا : عن هاشم بن سعيد عن كنانة .
فحديث حديج متابع ، وليس مخالفاً كما ادعى المعترض فهو متسرع ! .
إذا علم ذلك وأراد أحد المفاضلة بين الروايات :
فعمرو بن خالد – صاحب المتابعة – ثقة ، أكثر البخاري من إخراج حديثه ، وهو أوثق من الثلاثة ، ولم يخل أحدهم من غمز .
ويؤيد عمرو بن خالد متابعة يزيد بن معتب لكنانة مولى صفية التي ستأتي (ص 41 – 42 ) وليس فيها ذكر لهاشم بن سعيد ، فتأمل .
* * *
فائدة
مع كامل التنزل مع المعترض، هب أن إسقاط هاشم بن سعيد وهم من الرواة والصواب إثباته كما يدعي صاحب إحكام المباني.
قلت : التعليل بذلك ليس بجيد ، لأن الحديث يكون بذلك من المزيد في متصل الأسانيد لتسلسل الرواة بالتحديث فإن روح ابن الفرج قال : ثنا عمرو بن خالد ثنا حديج بن معاوية ثنا كنانة . فإذا رواه عمرو بن خالد عن حديج بن معاوية عن هاشم بن سعيد عن كنانة فهو من المزيد في متصل الأسانيد أو روى بالوجهين .
وكفي تحاملاً ودفعاً بالصدر وتعصباً للأشخاص وهو يؤدي إلى رد السنة الصحيحة ، ولو أعلمنا هذا التعصب في الأحاديث الشريفة ، لما صح لنا منها إلا القليل .
فإلى الله المشتكى من هؤلاء ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
المؤاخذة الخامسة : وكنانة لم ينفرد بالحديث فقد أخرج الطبراني في الدعاء متابعة له ، قال الطبراني في الدعاء :
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا أبي قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : ثنا مستلم ابن سعيد ، عن منصور بن زاذان ، عن يزيد – يعني بن متعب – مولى صفية بنت حيي رضي الله عنها .
قلت : شيخ الطبراني حافظ وثقة صالح جزرة ، وفي ترجمته ما يحتاج إلى التحرير ، لكنه يصلح المتابعات ولا ريب . (1) انظر الميزان (3/642) .
ووالده حافظ ثقة ، وكذا جده .
ومستلم قال عنه الحافظ : صدوق ربما وهو . التقريب (2/214) .
ومنصور ثقة ، احتج به الجماعة . التهذيب (10 / 306) .
ويزيد لم أجد له ترجمة مفردة لكنه مذكور في ترجمة صفية رضي الله تعالى عنها في الإصابة (4/348) ، وهو تابعي ، وروى عنه ثقة ، فاذكر ما ذكرته بشأن كنانة سابقاً .
وزد عليه قول الذهبي : وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان رجل من كبار التابعين أو أوساطهما احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ اهـ . من مقدمة المغني (ص ك ) .
ويزيد من معتب مثل كنانة من الثالثة ، وهم أواسط التابعين فكلاهما من موالي صفية ، فالرجل على شرط ابن حبان في ثقاته ، ومثله يحسن حديثه في متابعات .
فلا تنظر بعد هذا البيان لتشغيب صاحب إحكام المباني ( ص 49) فإنه يخالف القواعد تعصباً للألباني ، وهذا المتابعة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي .
وأخرجه الطبراني في الأوسط بنفس السند (2/ل 34 ب ) ، وانظر الدعاء له (ل 193 أ ) .
فهذه متابعة قوية لكنانة . فهل يمكن أن يرد بعد هذا حديث صفية رضي الله عنها أو يضعف ؟
* * *
تنبيه :
قال الألباني في رده على الشيخ الحبشي بعد كلام : فعلى الشيخ – أي الحبشي – أن يفتش عن لفظ هذا الطريق – الذي فيه متابعة لكنانة - ، وينظر إن كان فيه هذا العد – أي العد بالنوى – فإن ثبت فيه ، وخلا عما يخدش في الاحتجاج به كما هو ظاهر كلام الحافظ ، ثبت دعواه ، وإلا فدون ذلك خرط القتاد . انتهى كلام الألباني ( ص 38 ) .
قلت : الحمد لله تعالى قد فتشت عن لفظ الحديث ، ورأيت كتاب الدعاء للطبراني قبل طبعه ، الذي أحال عليه الحافظ – جزاه الله خيرا – وفيه ذكر النوى ، وخلا أيضاً عما يخدش في الاحتجاج به كما هو ظاهر كلام الحافظ .
وهذا يظهر تقصير الألباني ، الذي يدعي دعاوى كبيرة ، فكان ينبغي أن يتوقف في الحكم على الحديث ، أو يقلد الحافظ حتى يرجع إلى الأمالي وهي موجودة ، ولكن ليس فيها ذكر سند الطراني في الدعاء . ثم كان عليه أيضاً أن يرجع إلى الدعاء للطبراني لينظر في سند الحديث ثم يحكم عليه ، علماً بأن الطبراني اخرج نفس الحديث سنداً ومتناً في المعجم الأوسط . ولكنه اكتفى برأيه ، ولم يرجع إلى الأصول ، ولم يرجع إلى أصل الأمالي ، ثم بعد ذلك جمع ما كتبه في السلسلة الضعيفة ، وطبعت مرات على ما فيها من أخطاء وكثر القول بضعف حديثي ضغيه وسعد رضي الله عنهما ، وهذا ليس من صنيه أهل هذا الشأن ، فإن المراجعة والإتقان وضبط ما كان وإصلاح الخطأ أولى من الإكثار ، كما أشار إلى ذلك الإمام مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة صحيحة (1/46 – 47 ) .
* * *
تنبيه آخر :
اعترف الألباني بعد بحثي المتقدموبياني له بأن كنانة مولى صفية ليس بمجهول بل هو صدوق ، وحدثه مقبول ، كذا في ضعيفته (1/6 ، 190 – 91 1) .
ولكنه أصر على تضعيف الحديث فقال :
وعليه فعلة الحديث هاشم فقط . اهـ . كذا في الطبعة الجديدة من ضعيفته .
وأشار إلى تفرد هاشم بن سعيد الكوفي بالحديث في ( 1 / 6 ) .
قلت : تقدمت متابعة حديج بن معاوية لهاشم بن سعيد الكوفي عن كنانة . وحديج ابن معاوية رأيت الألباني يحسن له في المتابعات كما تقدم بل أكثر من هذا أنه ذكره في الرواة عن كنانة – تبعاً لي – مع توثيقه في (1/190 ) .
فالحديث حسن ، فلكل من كنانة وهاشم بن سعيد الكوفي متابع قوي . وانظر المقدمة (ص 7 – 8 ) .
* * *
فصل
ثم قال الألباني :
ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى ، ولفظه قال : عن جويرية أن النبي (ص) خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : ما زلت على الحال التي فارقتكى عليها ؟ قالت : نعم ، قال النبي (ص) : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن :
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته .
أخرجه مسلم (8/83- 84) ، والترمذي (4/274) وصححه ، وابن ماجه (2/423) ، وأحمد (6/325، 430 ) .
فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين :
الأول : أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث .
الأول : أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث .
الثاني : أن ذكر الحصى في القصة منكر ، ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون لاحصى ، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها ، ولو كان ذلك مما أقره (ص) لما خفي عن ابن مسعود إن شاء الله .
وقد تلقى هذا الإنكار منه بعض مكنتخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه الكوفي ، فكان ينهى إبنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها، رواه إبن أبي شيبة في المصنف (2/89/2) بسند جيد . انتهى كلام الألباني .
* * *
أقول وبالله تعالى التوفيق :
هذا الكلام عليه مؤاخذات :
المؤاخذة الأولى : قوله : عن صاحبت القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث الثاني . اهـ .
قد مر بك أن حديث صفية حسن ، وحديث سعد صحيح ، فتكون القصة قد تعددت مرة مع صفية ومرة مع إمرأة ومرة مع جويرية . وهذا كثير جداً في أسباب الورود فالجمع أولى بدلاً من الإقتصار على رواية جويرية ، مادام ان الأسانيد قد رواها الأئمة بأسانيد صحيحة أو حسنة .
ف
يتبع ...
فصل
ثم قال الألباني في ضعيفته (1/114 – 115) :
الثاني : عن صفية قالت : دخل علي النبي (ص) وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن فقال : يا بنت حيي ما هذا ؟
قلت : أسبح بهن .
قال : قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا .
قلت : علمني يا رسول الله .
قال : قولي سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء .
أخرجه الترمذي (4/274) ، وأبو بكر الشافعي في الفوائد (72/255/1) والحاكم (1/547) . من طريق هاشم بن سعيد عن كنانة مولى صفية عنها .
وضعفه الترمذي بقوله : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي ، وليس إسناده بمعروف ، وفي الباب عن ابن عباس .
وأما الحاكم فقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي وهذا منه عجب ، فأن هاشم بن سعيد هذا أورده هو في الميزان وقال : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال ابن عدي : مقدار ما يرويه لا يتابع عليه . ولهذا قال الحافظ في التقريب : ضعيف .
وكنانة هذا مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان .
انتهى كلام الألباني .
* * *
ومن تناقض الألباني أنه يعمد إلى مثل كنانة فيحسن حديثه تماماً ، بينما يضعف كنانة هنا ...!
وخذ هذين النصين من كتبه :
قال في إروائه (5/21): طلحة بن عبد الله لم يوثقه غير ابن حبان ، لكن روى عنه جماعة فهو حسن الحديث إن شاء الله ، وفي التقريب : مقبول . انتهى بنصه .
وسلم لي أيضاً صاحب إحكام المباني تعقبي (ص40) واعتذر عن الألباني بأنه في سند أثر موقوف حول بعض مسائل العقيدة . قلت : قواعد الاصطلاح لا تفرق بين المرفوع والموقوف فكله نظر في الإسناد ثم كونه في العقيدة أدعى للتشدد . فتأمل .
ثم إذا كان هذا المعترض يدعو للتساهل في الموقوف فما بالنا نراه يتشدد في الآثار التي ذكرتها في آخر رسالتي . نعوذ بالله من التعصب المؤدي للتناقض . وقال في إرواء غليله (1 /242) : (الحسن بن محمد العبدي أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/2/35) فقال : روى عن أبي زيد الأنصاري ، روى عنه علي ابن المبارك الهنائي . قلت – أي الألباني -: فقد روى عنه إسماعيل بن مسلم أيضاً كما ترى وهو العبدي القاضي ، وبذلك ارتفعت جهالة عينه ، وقد ذكره ابن الحبان في الثقات (4 /124) ثم هو تابعي ) اهـ فانظر إلى مجهول الحال الذي يحسن حديثه ، بينما يرد حديث كنانة بقوله : كنانة مجهول الحال لم يوثقه غير ابن حبان ، ثم يذكر تساهل ابن حبان في الحاشية ..!! واعترض علي صاحب إحكام المباني (ص41) فقال : هذا ما نقله محمود سعيد وهو نقل مبتور ، بتر منه أهم شيء فيه ثم صرح بأنه قول الألباني : وقد روى أمراً شاهده فالنفس تطمئن إلى مثل هذه الرواية . اهـ .
وجوابه سهل : هب أن كذاباً شاهد أمراً ثم رواه فهل هذا يقوي من روايته . !! فالعبرة بحال الراوي لا غير .
ويقول في صحيحته (2/517) بعد تصحيحه لحديث مالك بن الخير الزيادي : والزيادي ترجمع ابن أبي حاتم (4/1/208) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً لكن روى عنه جماعة من الثقات ، وثقة ابن حبان . اهـ .
وقبل أن أنهي الكلام على هذه المؤاخذة ، لنا وقفة مع الشيخ الألباني : فإنه قال في الحاشية (ص 98) : أشار – أي الحافظ – في التقريب إلى أنه – أي كنانة – لين الحديث .
بينما نص عبارة الحافظ في التقريب هي : كنانة مولى صفية يقال اسم أبيه نبيه ، مقبول ضعفه الأزدي بلا حجة من الثالثة ب خ ت انتهى .
والحافظ بين في المقدمة الفرق بين المقبول واللين ، فالأول وهو المقبول له متابع – وقد توبع كنانة – وهو أحسن حالاً من الثاني أي اللين .
فما الداعي لتغيير كلام الحافظ والتصرف فيه . ؟!
وما اسم هذا الفعل يا فضيلة الشيخ . ؟
هل هو إخبار بغير الواقع أم لا . ؟!
المؤاخذة الثانية : في الكلام على هاشم بن سعيد الكوفي ، فقال عنه أحمد : لا أعرفه ، وقال ابن معين : ليس بشيء ، وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه أبو حاتم الرازي .
وقال ابن عدي بعد أن ذكر له بعض الأحاديث : ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه .
قلت : أما قول ابن معين : (ليس بشيء) فقد يكون معناه أن الراوي قليل الحديث قال الحافظ في مقدمة الفتح (ص 421) في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين من قوله في بعض الروايات (وليس بشيء) يعني أن أحاديثه قليلة جداً . اهـ .
فإن قيل قد يعني ابن معين بقوله (ليس بشيء ) التضعيف ، وعليه بنى صاحب إحكام المباني الرد عليَّ (ص 38 ) .
فهذا يجاب عنه بأن الحمل على الأول وهو قلة روايته أولى، لموافقتة للواقع ، فإن هاشم بن سعيد الكوفي كان قليل الرواية ، حتى أن بعضهم لم يعرفه بسبب قلة روايته أو ندرتها ، وقد قال عنه الذهبي في الديوان : كوفي مقل .
أما قول الإمام أحمد : لا أعرفه فإنه لا يضره ، فقد عرفه غيره .
وكذا كلام بن عدي لا يضره لأنه قال : ومقدار ما يرويه لا يتابع عليه اهـ .
والرجل قد توبع وستأتي هذه المتابعة إن شاء الله تعالى .
بقى لنا توثيق ابن حبان وتضعيف أبي حاتم ، فيكون الراوي فيه لين أو ضعف قريب ، ولذلك أرى أن أعدل الأقول فيه قول الحافظ الذهبي في الكاشف (3/217) : ضعف .
فيكون سند حديث صفية رشي الله تعالى عنها فيه ضعف من هذا الوجه فقط ، ولكن المتن حسن نظراً لما له من متابع بل وشاهد .
المؤاخذة الثالثة : الشاهد للمتن قريب جداً ، وهو حديث سعد بن أبي وقاص المذكور ، فهو شاهد قوي للمتن ، فيكون الحديث حسناً لغيره به فقط .
وإذا كان حديثا سعد وصفية رضي الله عنهما ضعيفين في نظر المعارض ، فلماذا لا يقوي كل منهما الآخر ، فيصير كل منهما شاهداً للآخر ، فيكون الحديث حسناً لغيره ، هذا إذا قلنا برأي الألباني الذي ضعف الحديثين .
وهو ملزم بهذا التقرير الذي تؤيده القواعد الحديثية ، وبه أيضاً ينهدم كل ما كتبه الألباني عن السبحة .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
المؤاخذة الرابعة : أما المتابعة فقد توبع هاشم بن سعيد الكوفي ، أخرج هذه المتابعة الطبراني عن روح بن الفرج ، ثنا عمرو بن خالد ، ثنا حديج بن معاوية ، ثنا كنانة مولى صفية بن حيي رضي الله عنها .
وانظر أمالي الأذكار – المجلس الخامس عشر – مصورة بمكتبة الحرم المكي الشريف .
وروح بن الفرج القطان المصري ثقة ، من مشايخ الطبراني والطحاوي .
وعمرو بن خالد ، ثقة ثبت ، من رجال البخاري .
وحديج بن معاوية فيه مقال طويل ، حاصله ما قاله الحافظ في التقريب : صدوق يخطئ .
فهذه متابعة قوية لهاشم بن سعيد الكوفي ، فيكون الحديث حسناً بلا ريب ، ولذا حسنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في أمالي الأذكار (ل 177 /1) .
ألا يكفي هذا بمفرده لهدم كل ما كتبه الألباني ؟
* * *
تنبيه :
حاول صاحب إحكام المباني (ص 44 – 47 ) رد هذه المتابعة فذكر وجهيم مردودين :
أولهما بالنظر لحال حديج بن معاوية .
وثانيهما بالنظر إلى الإسناد .
أما عن الوجه الأول فقد قال عن حديج بن معاوية : ليس فيه توثيق معتد به صريح إلا قول أحمد (فيه لا أعلم إلا خيراً) ومع ذلك فهو ليس صريحاً ثم ذكر كلام من ضعفه .
قلت : لن أسترسل معك في تقرير حال حديج بن معاوية وأكتفي بإحالته لكتب الألباني – الذي كتب للدفاع عنه – فإنه قال عنه في صحيحته (4/567) : وهو – أي حديج بن معاوية – صدوق يخطئ كما قال الحافظ في التقريب فهو ممن يستشهد به . اهـ .
ثم عدم قبول حديث حديج ابن معاوية في المتابعات خطأ مخالف للقواعد ، فالرجل كان صدوقاً في نفسه ، ومن تكلم فيه فبسبب سوء حفظه لا غير ، ولم يتهم بالكذب فمثله يحسن حديثه في المتابعات – ولا بد – بل ترى الألباني يحسن في المتابعات من حاله أقوى من حديج بن معاوية في الضعف ، والقائمة طويلة ولها مكانها …
وأما الوجه الثاني فهو بالنظر إلى الإسناد .
فاعتراضه (ص 46) حاصله : أن هذه المتابعة لم تصح ، وهي ترجع إلى أصل الحديث ، وهو هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية واستدل على ذلك بأمرين :
أولهما : قول الترمذي : لا نعرفه من هذا الوجه إلامن حديث هاشم بن سعيد الكوفي .
ثانيهما : أن ثلاثة من الثقات قد رووه عن كنانة بإثبات هاشم وهو:
1- عبد الله بن يزيد .
2- عبد الصمد بن عبد الوارث .
3- شاذ بن فياض .
ولم يروه عن كنانة مباشرة إلا حديج بن معاوية ، والثلاثة أرجح .
قلت : قول الترمذي لا يصلح دليلاً لنفي وجه آخر، فكم صرح الترمذي ومن في طبقته بعدم العلم بوجود وجه آخر ثم يأتي من يتأخر عنهم فيذكر طرقاً لم تقع لغيره (*) ، فالترمذي قال ذلك حسبما وقع له ، فهو مبلغ علمه لا غير .
على أن عبارة الترمذي لا تخلو من نكته ، وهي أنه نفى معرفته فقط ، ولم ينف الوقوع كما ادعى المعارض ، فلله دره ما أضبط ألفاظه .
على أننا ونحن بصدد الكلام على عبارة الترمذي على أمرين :
الأمر الأول : أن نصدق قول الترمذي وفق مراد المعترض ، ونكذب الواقع المحسوس ، وهو وجود متابعة لهاشم بن سعيد الكوفي ، ومتابعة أخرى لكنانة ، سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى .
(*) ولحافظ العصر السيد أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله تعالى مصنف سماه (ليس كذلك) خاص بالاستدراك على الحفاظ المتقدمين في نحو ذلك ، عندى مجلد منه .
فلا بد أن الواقع أقوى من غيره ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ويوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ، هذا مع الاعتراف بالفضل والإمامة للسابق .
أما عن الأمر الثاني الذي حاول أن يرد به هذا المتبعة فأقول وبالله التوفيق :
كلام المعترض فيه نظر ، ولا أدري لماذا هذا التسرع في النظر في الأسانيد ، فالخلاف ليس بين الثلاثة الذين ذكرهم وحديج بن معاوية .
ذلك أن الخلاف – وهو لا وجود له إلا في مخيلة المعترض – يقع بين عمرو بن خالد والثلاثة المذكورين .
فعمرو بن خالد قال : ثنا حديج بن معاوية ثنا كنانة .
والثلاثة قالوا : عن هاشم بن سعيد عن كنانة .
فحديث حديج متابع ، وليس مخالفاً كما ادعى المعترض فهو متسرع ! .
إذا علم ذلك وأراد أحد المفاضلة بين الروايات :
فعمرو بن خالد – صاحب المتابعة – ثقة ، أكثر البخاري من إخراج حديثه ، وهو أوثق من الثلاثة ، ولم يخل أحدهم من غمز .
ويؤيد عمرو بن خالد متابعة يزيد بن معتب لكنانة مولى صفية التي ستأتي (ص 41 – 42 ) وليس فيها ذكر لهاشم بن سعيد ، فتأمل .
* * *
فائدة
مع كامل التنزل مع المعترض، هب أن إسقاط هاشم بن سعيد وهم من الرواة والصواب إثباته كما يدعي صاحب إحكام المباني.
قلت : التعليل بذلك ليس بجيد ، لأن الحديث يكون بذلك من المزيد في متصل الأسانيد لتسلسل الرواة بالتحديث فإن روح ابن الفرج قال : ثنا عمرو بن خالد ثنا حديج بن معاوية ثنا كنانة . فإذا رواه عمرو بن خالد عن حديج بن معاوية عن هاشم بن سعيد عن كنانة فهو من المزيد في متصل الأسانيد أو روى بالوجهين .
وكفي تحاملاً ودفعاً بالصدر وتعصباً للأشخاص وهو يؤدي إلى رد السنة الصحيحة ، ولو أعلمنا هذا التعصب في الأحاديث الشريفة ، لما صح لنا منها إلا القليل .
فإلى الله المشتكى من هؤلاء ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
المؤاخذة الخامسة : وكنانة لم ينفرد بالحديث فقد أخرج الطبراني في الدعاء متابعة له ، قال الطبراني في الدعاء :
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا أبي قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : ثنا مستلم ابن سعيد ، عن منصور بن زاذان ، عن يزيد – يعني بن متعب – مولى صفية بنت حيي رضي الله عنها .
قلت : شيخ الطبراني حافظ وثقة صالح جزرة ، وفي ترجمته ما يحتاج إلى التحرير ، لكنه يصلح المتابعات ولا ريب . (1) انظر الميزان (3/642) .
ووالده حافظ ثقة ، وكذا جده .
ومستلم قال عنه الحافظ : صدوق ربما وهو . التقريب (2/214) .
ومنصور ثقة ، احتج به الجماعة . التهذيب (10 / 306) .
ويزيد لم أجد له ترجمة مفردة لكنه مذكور في ترجمة صفية رضي الله تعالى عنها في الإصابة (4/348) ، وهو تابعي ، وروى عنه ثقة ، فاذكر ما ذكرته بشأن كنانة سابقاً .
وزد عليه قول الذهبي : وأما المجهولون من الرواة ، فإن كان رجل من كبار التابعين أو أوساطهما احتمل حديثه ، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ اهـ . من مقدمة المغني (ص ك ) .
ويزيد من معتب مثل كنانة من الثالثة ، وهم أواسط التابعين فكلاهما من موالي صفية ، فالرجل على شرط ابن حبان في ثقاته ، ومثله يحسن حديثه في متابعات .
فلا تنظر بعد هذا البيان لتشغيب صاحب إحكام المباني ( ص 49) فإنه يخالف القواعد تعصباً للألباني ، وهذا المتابعة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي .
وأخرجه الطبراني في الأوسط بنفس السند (2/ل 34 ب ) ، وانظر الدعاء له (ل 193 أ ) .
فهذه متابعة قوية لكنانة . فهل يمكن أن يرد بعد هذا حديث صفية رضي الله عنها أو يضعف ؟
* * *
تنبيه :
قال الألباني في رده على الشيخ الحبشي بعد كلام : فعلى الشيخ – أي الحبشي – أن يفتش عن لفظ هذا الطريق – الذي فيه متابعة لكنانة - ، وينظر إن كان فيه هذا العد – أي العد بالنوى – فإن ثبت فيه ، وخلا عما يخدش في الاحتجاج به كما هو ظاهر كلام الحافظ ، ثبت دعواه ، وإلا فدون ذلك خرط القتاد . انتهى كلام الألباني ( ص 38 ) .
قلت : الحمد لله تعالى قد فتشت عن لفظ الحديث ، ورأيت كتاب الدعاء للطبراني قبل طبعه ، الذي أحال عليه الحافظ – جزاه الله خيرا – وفيه ذكر النوى ، وخلا أيضاً عما يخدش في الاحتجاج به كما هو ظاهر كلام الحافظ .
وهذا يظهر تقصير الألباني ، الذي يدعي دعاوى كبيرة ، فكان ينبغي أن يتوقف في الحكم على الحديث ، أو يقلد الحافظ حتى يرجع إلى الأمالي وهي موجودة ، ولكن ليس فيها ذكر سند الطراني في الدعاء . ثم كان عليه أيضاً أن يرجع إلى الدعاء للطبراني لينظر في سند الحديث ثم يحكم عليه ، علماً بأن الطبراني اخرج نفس الحديث سنداً ومتناً في المعجم الأوسط . ولكنه اكتفى برأيه ، ولم يرجع إلى الأصول ، ولم يرجع إلى أصل الأمالي ، ثم بعد ذلك جمع ما كتبه في السلسلة الضعيفة ، وطبعت مرات على ما فيها من أخطاء وكثر القول بضعف حديثي ضغيه وسعد رضي الله عنهما ، وهذا ليس من صنيه أهل هذا الشأن ، فإن المراجعة والإتقان وضبط ما كان وإصلاح الخطأ أولى من الإكثار ، كما أشار إلى ذلك الإمام مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة صحيحة (1/46 – 47 ) .
* * *
تنبيه آخر :
اعترف الألباني بعد بحثي المتقدموبياني له بأن كنانة مولى صفية ليس بمجهول بل هو صدوق ، وحدثه مقبول ، كذا في ضعيفته (1/6 ، 190 – 91 1) .
ولكنه أصر على تضعيف الحديث فقال :
وعليه فعلة الحديث هاشم فقط . اهـ . كذا في الطبعة الجديدة من ضعيفته .
وأشار إلى تفرد هاشم بن سعيد الكوفي بالحديث في ( 1 / 6 ) .
قلت : تقدمت متابعة حديج بن معاوية لهاشم بن سعيد الكوفي عن كنانة . وحديج ابن معاوية رأيت الألباني يحسن له في المتابعات كما تقدم بل أكثر من هذا أنه ذكره في الرواة عن كنانة – تبعاً لي – مع توثيقه في (1/190 ) .
فالحديث حسن ، فلكل من كنانة وهاشم بن سعيد الكوفي متابع قوي . وانظر المقدمة (ص 7 – 8 ) .
* * *
فصل
ثم قال الألباني :
ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى ، ولفظه قال : عن جويرية أن النبي (ص) خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : ما زلت على الحال التي فارقتكى عليها ؟ قالت : نعم ، قال النبي (ص) : لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن :
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ، ورضا نفسه ، وزنة عرشه ، ومداد كلماته .
أخرجه مسلم (8/83- 84) ، والترمذي (4/274) وصححه ، وابن ماجه (2/423) ، وأحمد (6/325، 430 ) .
فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين :
الأول : أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث .
الأول : أن صاحبة القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث .
الثاني : أن ذكر الحصى في القصة منكر ، ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون لاحصى ، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها ، ولو كان ذلك مما أقره (ص) لما خفي عن ابن مسعود إن شاء الله .
وقد تلقى هذا الإنكار منه بعض مكنتخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه الكوفي ، فكان ينهى إبنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها، رواه إبن أبي شيبة في المصنف (2/89/2) بسند جيد . انتهى كلام الألباني .
* * *
أقول وبالله تعالى التوفيق :
هذا الكلام عليه مؤاخذات :
المؤاخذة الأولى : قوله : عن صاحبت القصة هي جويرية لا صفية كما في الحديث الثاني . اهـ .
قد مر بك أن حديث صفية حسن ، وحديث سعد صحيح ، فتكون القصة قد تعددت مرة مع صفية ومرة مع إمرأة ومرة مع جويرية . وهذا كثير جداً في أسباب الورود فالجمع أولى بدلاً من الإقتصار على رواية جويرية ، مادام ان الأسانيد قد رواها الأئمة بأسانيد صحيحة أو حسنة .
ف
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
فصل
فإن قيل : أعل الألباني الحديث بسعيد ابن أبي هلال فقال : سعيد بن أبي هلال مع ثقته ، حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط ، فأنى للحديث الصحة أو الحسن ! انتهى كلام الألباني .
أجيب بأن سعيداً وثقه أبو حاتم والدار قطني والعجلي وابن سعد وابن خزيمة وابن حبان والخطيب وابن عبد البر وآخرون ، واحتج به الجماعة ، وفي هذا القدر كفاية لتصحيح حديثه والاحتجاج به في الصحيحين كما فعل البخاري ومسلم .
أما غمزه والكلام فيه بغير حجة ، فهذا عمل لا يصح أن يصدر من مطلع ، فالقائم به نادى على نفسه بعدم الاطلاع ، فمن من الرواة سلم من الكلام فيه ؟ هذا من النادر ، بل شيخ الصناعة الإمام البخاري تكلم فيه بما هو مدفوع .
وكان يكفي الألباني الرجوع إلى مقدمة الفتح بدلاً من تسويد الورق بالكلام في عباد الله الثقات .
قال الحافظ (ص 406) مقدمة الفتح) : وشذ الساجي فذكره في الضعفاء وقال أيضاً (ص 462): ذكره الساجي بلا حجة ، ولم يصح عن أحمد تضعيفه . اهـ .
وبذلك يتبين أن حكاية الساجي عن أحمد لم تصح ، وإن صحت فهي غير مقبولة لأن البخاري ومسلماً أخرجا له في الأصول ، والحفاظ متوافرون على تصحيح حديثه .
فتضعيف سعيد بن أبي هلال غير وارد إلا في مخيلة من يصحح ويضعف تبعاً لهواه ، ولذلك لم يذكره الحافظ المتقن سبط ابن العجمي في كتابه الاعتباط بمن رمي بالاختلاط ولا ابن الكيال في الكواكب النيرات ، والقاعدة عند المحدثين – جزاهم الله خيراً – أن التعديل يقدم على الجرح غير المفسر ، فكيف إذا كان هذا الجرح لم يثبت عن صاحبه ، فتدبر .
وبهذا يتبين لك خطأ الألباني في دعواه اختلاط سعيد بن أبي هلال التي أن يوهم العامة بها أن حديثه غير صحيح ولا حسن ، ليسلم له رأيه في تضعيف الحديث المذكور .
ومع هذا البيان الواضخ تمسك صاحب إحكام المباني (ص30 ) بكلام الألباني وعض عليه بنواجذه ، فبعد تسليمه بتوثيق سعيد بن أبي هلال رأى أنه قد اختلط ، وهذا معنى تضعيف أحمد له والاختلاط لا ينافي التوثيق وهذا يعني رد حديثه .
قلت : قال الحافظ في التقريب (ص 242): صدوق ، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفاً ، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط . اهـ
فبين الحافظ أن عمدة ابن حزم في تضعيفه حكاية الساجي عن أحمد أنه اختلط ، وإذا كان قول ابن حزم مضعفاً بقول الحافظ ( لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفاً ) دل ذلك على أن ما اعتمد عليه ضعيف أيضاً .
فالحافظ ينبه علىعلى خطأ ابن حزم فقط ، وبالتالي خطأ ما اعتمد عليه لأنه أصله ، أما أن يفهم من كلام الحافظ أن يثبت الاختلاط وهو يقول في مقدمة الفتح (ص 426) : لم يصح عن أحمد تضعيفه . اهـ أي اختلاطه .
ثم إن الحفاظ توافروا على قبول حديث الرجل وعملهم أقوى دليل على توثيقه وعدم الإلتفات لأي قول فيه .
أما ما ذكره البرذعي في سؤالاته لأبي زرعة (2/361) قال : قال لي أبو زرعة : خلد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان ، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما . قال أبو حاتم : أخاف أن يكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان . اهـ .
قلت: دع عنك (ربما) ، (وأخاف) ونحو ذلك من الألفاظ المحتملة التي لا تفيد إلا الظن المرجوح ، والتي تتهاوى أما توثيق الأئمة لخالد بن يزيد وسعيد بن أبي هلال المحتج بحديثهما في الصحيحين .
ومما ينبهك أن هذا الظن المرجوح لم يلتفت إليه أحد أن أبا حاتم نفسه يقول عن خالد بن يزيد المصري : لا بأس به . وقال مثله تماماً في سعيد بن أبي هلال .
وإذا كان قد ثبت عند أبي حاتم تدليس هذين العلمين عن المتروكين لسارع بإعلان ضعفهما وأبو حاتم – رحمه الله تعالى – جراح مشهور .
* * *
فصل
اعترض معترض على طريق سعيد بن أبي هلال عن عائشة بنت سعد الي لا يوجد فيه خزيمة ، بأن خزيمة سقط منه ، وأن سعيد بن أبي هلال لا يروي عن عائشة ، بدليل أن الحافظ في التهذيب لم يذكره في الرواة عن عائشة .
وثم اعتراض ثالث وهو أن بإسناده إرسالاً خفياً .
وجوب الاعتراض الأول .
إن هذه دعوى بدون دليل ، فعليه بالدليل وهيهات ، والسنة فيها الكثير من أمثال ارواية بنزول ثم بعلو .
فيكون سعيد بن أب هلال كان يرويه عن خزيمة عن عائشة مرة ، ومرة أخرى عن عائشة بدون واسطة ، وما دام الراوي ثقة ، وأدرك عائشة إدراكاً بيناً ، وكانت مشهورة برواية ، بحيث إنهم ذكروا في ترجمتها أن مالكاً – رحمه الله تعالى – لم يرو إمرأة غيرها ، تبين لك شهرتها واتساع روايتها .
فرواية سعيد الثقة المكثر عنها واردة لا يردها إلا مكابر .
ولهذا صحح هذا الطريق جماعة من الحفاظ منهم الذهبي ، وقبله ابن حبان والحاكم في صحيحيهما .
فالسند متصل إن شاء الله تعالى على مذهب من يشترط اللقاء ومذهب من لم يشترطه .
* * *
وجوب الاعتراض الثاني :
إن هذا اعتراض ضعيف ، ولكنني أجيب عليه حتى لا يلتبس على المعترض أمثاله .
قال الحافظ في مقدمة التهذيب (1/3-4): ثم إن الشيخ رحمه الله – أي الحافظ المزي – قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة واستيعاب الرواة عنه ، ورتب ذلك على حروف المعجم في كل ترجمة ، وحصل من ذلك على الأكثر ، ولكنه شيء لا سبيل إلى استيعابه ولا حصره … إلخ .
وزد عليه أن رواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة خارج الكتب الستة ، ومصنفات أصحابها ، والحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله تعالى ، غالب بل كل ما يذكره في الترجمة من الرواة في الكتب الستة فقط ، ولم يعتن بذكر غيرهم كما هو معلوم من مراجعة تهذيب الكمال له ، فإنه رحمه الله تعالى قد علم على موضع رواية كل راو عن شيخه في الكتب المذكورة ، ولم يخرج عنها ، وهذا شرط كتابه .
نعم قد يذكر المزي بعض ما يقع له من الرواة عرضاً ، وفرقٌ بين من يعتني بذكرهم ومن يذكر عرضاً .
وقد سلم لي – المعترض – صاحب إحكام المباني (ص33) هذا الجواب وإن لف بعد بما لا فائدة فيه .
فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
* * *
فصل
ذكرت في رسالتي هذه (وصول التهاني ) حديث سعد بن أبي وقاص من طريق سعيد بن أبي هلال عن عائشة بنت سعد مباشرة ، وبينت أن المعاصرة بينهما متحققة ، فروايته عنها صحيحة على شرط مسلم والجمهور ، وبينت تصحيح ابن حبان والحاكم والذهبي لهذا الطريق ، فاستدركت بذلك على الألباني الذي عزى الحديث للحاكم ، على أن فيه ابن خزيمة ، فخطأه بدون حق بل وأخطأ عليه ، لأن الحديث عند الحاكم ليس فيه خزيمة ، وكان على صاحب إحكام المباني أن يذكر وهم شيخه ويعتره بصحة استدراكي عليه ، ولكنه لم يفعل لأنه مصدرو بداء الانتصار للرأي الذي يقوله الألباني حتى ولو أخطأ فيه الخطأ البين .
فماذا فعل في هذا الإشكال ؟ .
سعى لتضعيف الطريق الذي فيه خزيمة فأتى بوجهين غاية في النكارة لا بد من ذكرهما وبيان ما فيهما .
أما عن الأول فذكر أن خمسة رووه عن عبد الله بن وهب بإثبات خزيمة بن سعيد بن أبي هلال وعائشة بنت سعد ؟ وهو الوجه الأول .
ورواه حرملة بن يحيى ، وهارون بن معروف عن عبد الله بن وهب ، بدون خزيمة وهو الوجه الثاني .
ثم رجح رواية الخمسة على الاثنين .
قلت : هذا تعليل خطأ – ولا بد – لأنه بعيد جداً عن قواعد الحديث ، وبيان ذلك في الآتي :
1- أن الجمع بين الطرق ، وإعمال الجميع واجب ، يجب المصير إليه والوقوف عنده والأخذ به ، فلا يصار إلى غيره إلا إذا تعذر الجمع وحيث سهل الجمع وأمكن إعماله بدون تكلف ، فلا وجه للترجيح ، وهذا واضح ولا يحتاج لبيان .
2- تقرر في علم الحديث أن المخالفة إذا كانت من ثقة لمن هو أوثق منه فرواية الأوثق محفوظة ، والرواية الأخرى شاذة وهذا قد يصح هنا بشرطين :
أ – تفررد حرملة بن يحيى بهذا الوجه .
ب – إذا تعذر الجمع .
• وعن الشرط الأول : فحرملة بن يحيى لم ينفرد بهذا الوجه بل تابعه هارون بن معروف عند أبي يعلى ، وهو ثقة ثبت محتج به في الصحيحين .
• وعن الشرط الثاني : فالجمع متعين لأن الحديث إذا كان قد صح إلى عبد الله بن وهب فيكون قد رجع إلى سعيد ابن أبي هلال الثقة الذي احتج به الجماعة ، وقد كان يرويه على الوجهين ، فلعله سمعه من خزيمة ، أولاً ثم لقي عائشة عائشة بنت سعد فرواه عنها مباشرة وهو ثقة غير معروف بالتدليس ، فيحتمل منه هذا .
فالإسناد كيفمادار دار على ثقة ، وكيفما دار كان متصلاً أيضاً ، فلا وجه للتعليل بترهات لا معنى لها ، فلا يقضي لحرملة بن يحيى ومتابعة هارون بن معروف على الآخرين ، بل الصحيح أن الطريقين صحيحان .
وقد أكثر الشيخان من إخراج مثل هذا ، وليس الخبر كالمعاينة . والله أعلم .
وأما عن الوجه الثاني فإنه قد بناه على صحة ما ذهب إليه في الوجه الأول وقد تبين بعده عن الصواب .
• وأما جواب الاعتراض الثالث :
وهو الخاص بدعوى وجود إرسال خفي في إسناده فيجاب عليه من وجوه :
الوجه الأول : أن الإرسال الخفي : هو رواية من عاصره ولم يسمع منه فبفترق بذلك عن رواية المدلس وهو روايته عمن سمع منه مالم يسمعه كما حققه الحافظ في النكت وغيرها .
ولما كان سعيد بن أبي هلال قد أدرك عائشة بنت سعد (فعن) منه محمولة على اللقاء المفيد للسماع كما هو مذهب مسلم والجمهور ، ولم نجد من صرح بعدم سماعه منها .
الوجه الثاني : قال الحافظ العلائي في جامع التحصيل (ص 151) : الحكم بالإرسال – أي الخفي – تارة يكون بالإعتبار لرواية الأكثر وتارة يكون بالتصريح بالسماع من الأدون ، وتارة لقرينة تنضم إلى ذلك .
أما عن الأول وهو الاعتبار برواية الأكثر ، فالحديث هنا ليس له إلا مخرج واحد تفرد به عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال وعنه عبد الله بن وهب .
وأما عن الثاني وهو التصريح بالسماع فلم يصرح سعيد بن أبي هلال بسماعه للحديث من خزيمة أو من عائشة وها هي الكتب التي خرجت الحديث بين أيدينا .
فلم يبق إلا القرينة ، والقرينة هنا معنا وليست علينا ، فإنه كما تقدم أن هذا التعليل بالإرسال الخفي خارج عن محل البحث وأن (عن) تحتمل السماع من غير المدلس هذه واحدة .
والأخرى أن التعليل بالإرسال غالباً ما تجد نصاً من أحد الحفاظ الجهابذة عليه ، وأنت تراهم قد صححو الحديث أو حسنوه ، كابن حبان والحاكم والذهبي والحافظ وغيرهم ، ولم يذكروا هذا التعليل الذي لا مستند له ، بل لم نجد أحداً نص على تضعيف هذا الحديث ، سواء ذكر خزيمة أو لم يذكر ، إلا من سارع بإعلان المخالفة ، وشايعه المتتبع والمقلد لأوهامه وتناقضاته ، وأخطائه ، والله أعلم بالصواب .
وبعد أن تبين لك صحة حديث سعد بن أبي وقاص في التسبيح بالنوى من وجه وتحسينه من وجه آخر – وهذا عمل الحفاظ المتقنين – تعلم قيمة قول الألباني : فأنى للحديث الصحة أو الحسن .
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومنسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله ، اللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله الطاهرين ، وأصحابه والتابعين .
أما بعد : فقد اطلعت على ما كتبه الشيخ محمد ناصر الألباني بشأن السبحة ، وحكمه عليها بأنها بدعة (ضعيفته 1/110 – 117) وهو حكم فيه نظر ، ومجانبة الألباني للصواب في ظاهرة .
وقد وجدته حكم على الأحاديث النبوية الشريفة بما لا يجوز عند أهل العلم بالحديث ، فضعف الصحيح ، وجود الضعيف ، واستدل بالموقوف الضعيف ، بل لم يعط الموضوع حقه من البحث والتنقيب عن أفعال الصحابة رضوان الله عليهم ، فحكم على ما فعلوه بأنه بدعة ، إلى غير ذلك مما ستراه إن شاء الله تعالى .
وقد سميت هذا الجزء ( وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني ) .
وكنت أود ألا أكتب في هذا الموضوع ، ولكن دفعني للكتابه فيه اتباع بعض الناس للقول بأن السبحة بدعة من الذين لا معرفة لهم بالحديث وغيره ، ينهون عن التقليد ، ويتكلمون في عباد الله الصالحين ، وهم من أشد الناس تقليداً .
اتبعوا هذا القول المنكر المردود ، وشنعوا على عباد الله الذين استعانوا بالسبحةلضبط ذكر الله تعالى ، فعطلوا وضايقوا وشنعوا ، بل سعى بعضهم إلى
قطع السبح التي يسبح بها ، نسأل الله السلامة والعافية .
وهذا الجزء الذي حررته نصيحة لهم ، فهم إخواننا ، ولهم حق علينا بلا ريب . قال تعالى : { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } .
وأرجو ممن وقف عليه أن ينظر إليه بعين الإنصاف ، وليتجنب التعصب والاعتساف . اللهم عليك توكلنا وإليك أنبنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
* * *
واعترافاً بفضل السابقين ، فنحن عالة عليهم ، ومنهم آخذون ، أقول: صنف في السبحة جماعة من الأعيان منهم :
الحافظ جلال الدين السيوطي، ورسالته مطبوعة في الجزء الثاني من الحاوي بعنوان المنحة في السبحة .
العلامة محمد بن علان الصديقي المتوفى سنة 1057 هـ ، سماه (إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح) ذكره في شرحه على الأذكار (1/252) . ولم أقف عليه .
العلامة أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي في جزء سماه نزهة الفكر في سبحة الذكر وقفت عليه ، وقد طبع في الهند .
والسيوطي واللكنوي رحمهما الله لم يتكلما على الأسانيد بما يفيد ، بل أكثرا من العزو فقط .
هذاوقد تعقب فضيلة الشيخ عبد الله الهرري في جزئين ما كتبه الألباني عن السبحة ، ولكن في رده إعوازاً شديداً وأخطاءً حديثية عديدة . إلا أنه أجاد إلى حد ما في الكلام على الحديث الأول : (نعم ذكر المسبحة) وعلى ذلك لا أتكلم عليه بل أبدأ بعون الله تعالى تعقبي بما ستراه .
* * *
قال الألباني في ضعيفته (1/114) ما نصه :
غاية ما روي في هذا حديثان أوردهما السيوطي في رسالته المشار إليها فلا بد من ذكرهما وبيان علتهما :
الأول : عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله (ص) على امرأة وبينيديها نوى أو حصى تسبح به . فقال : أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا – أو أفضل – فقال : سبحان الله عدد ما خلق في السماء … الحديث .
رواه أبو داود (1/235) والترمذي (4/277 – 278 ) والدورقي في مسند سعد (130 / 1 ) والمخلص (1/17/2) والحاكم (1/547 – 548) من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها .
وقال الترمذي : حديث حسن .
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي . فأخطأ لأن خزيمة هذا مجهول .
قال الذهبي نفسه في الميزان : لا يعرف ، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال ، وكذا قال الحافظ في التقريب أنه لا يعرف .
وسعدبن أبي هلال مع ثقته ، حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط . فأنى للحديث الصحة أو الحسن ؟! .
انتهى كلام الألباني .
* * *
أقول وبالله التوفيق ومنه العون والسداد :
عزى الألباني الحديث لجماعة ، ثم للحاكم من طريق عمرو بن الحارث ، حدثه عن خزيمة … إلخ .
وقد وهم في قوله عن (خزيمة) فليس في المستدرك ذكر لخزيمة أبداً لا في هذا الحديث إو في غيره ، بل الذي في المستدرك رواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة مباشرة بدون واسطة بينهما .
وهو كذلك في مختصر المستدرك للذهبي الذي وافق الحاكم على تصحيح الحديث ، فخطأهما الألباني بدون حق .
ثم كأن الألباني يستدرك على الذهبي فيقول : لأن خزيمة هذا مجهول قال الذهبي نفسه في الميزان : لا يعرف . اهـ .
قلت : في كلام الألباني أوهام :
الأول : الحكم على خزيمة من قبل الألباني بالجهالة خطأ لا يقوله الحذاق ، وهم يعبرون في مثل هذه الحالة بقولهم: لا أعرفه أو لا يعرف . وقد نبه على الفرق بينهما الحافظ في اللسان (1/432) وذكرت ذلك في التعليق على النقد الصحيح للحافظ العلائي (ص77) عند ذكر وهم مماثل للألباني .
الثاني : الانتقاد على الحاكم والذهبي خطأ ، لأن الحاكم والذهبي صححا سعيد بن أبي هلال عن عائشة ، فالاعتراض عليهما فيه نظر .
الثالث : خزيمة حديثه مقبول ، ولا يحكم عليه بالجهالة فقد وثقه ابن حبان (الثقات 2/268) وحسن له الترمذي ، ومقتضى هذا أنه صدوق عنده .
قال الحافظ في تعجيل المنفعة (ص 153) : ( وقال الترمذي : حسن غريب ، وهذا يقتضي أنه صدوق معروف عنده). اهـ .
ولا يعترض على الحافظ بتعريف الترمذي للحديث الحسن المذكور في كتاب العلل من جامعه (5/758) فإن الترمذي عرف نوعاً واحداً من الحديث الحسن وهو الحسن لغيره الذي يجيء من غير وجه ، ولم يعرف الحسن لذاته الذي يحسن من وجه واحد فقط ، وعليه يتنزل كلام الحافظ .
والحاصل أن توثيق ابن حبان وتحسين الترمذي لحديث خزيمة يجعلان الرجل مقبول الحديث ، وإن لميرو عنه إلا سعيد ابن أبي هلال ، فإنه قد تقرر في علم الحديث أن الراوي إذا زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل ، مع رواية واحد عنه فقط ، قبل حديثه. وخزيمة قد زكاه الترمذي وابن حبان فلا يمكن أن تنفك إلا عن قبول حديثه ,إلا تكن قد خالفت القواعد . والله أعلم .
ثم اعلم يا أخي الآتي :
قال الحاكم في المستدرك (1/547) : حدثنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني ، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني ، ثنا حرملة بن يحيى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها رضي الله تعالى عنه أنه دخل مع النبي (ص) على امرأة … الحديث . صححه الحاكم ووافقه الذهبي . وله متابعة عند ابن حبان ، لم يذكرها الألباني ، رغم أن السيوطي عزاها في (المنحة في السبحة) لابن حبان … !!!
قال ابن حبان في صحيحه : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم حثنا حرملة بن يحيى ، أخبرني عمرو بن الحارث أن سعيد ابن أبي هلال حدثه عن عائشة بن سعد به .
هذا سند صحيح لا غبار عليه ، وأنت ترى ألا وجود لخزيمة فيه وعبد الله بن سلم ثقة (النبلاء 14/306 ، والأنساب 426/ب) وحرملة وشيخه ابن وهب إمامان ثقتان ، وكذا عمرو ابن الحارث .
أما سعيد ابن أبي هلال فثقة ، أخرج له الجماعة ، ولد بمصر سنة (70) ونشأ بالمدينة ، ثم رجع إلى مصر في خلافة هشام ، وتوفى – كما في الثقات (6/374) – سنة 149 .
وعائشة بنت سعد مدنية تابعية ثقة ، روى عنها أهل المدينة ماتت سنة 117 .
وقد وثقها العجلي وابن حبا نواحتج بها البخاري في صحيحه فهي ممن جاوزت القنطرة ، وقال الحافظ في التقريب (ص 751) : ثقة من الرابعة ، عمرت حتى أدركها مالك ، ووهم من زعم أن لها رؤية . اهـ .
وهذا غاية ما يطلب للحكم على الراوي بالثقة وقبول حديثه .
أما ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/699) والخطيب في الكفاية (ص 161) عن الإمام مالك بن أن قال : دخلت على عائشة بنت سعد بن أبي وقاص فسألتها عن بعض الحديث فلم أرض أن آخذ منها شيئاً لضعفها ، قال مالك : وقد أدركت رجالاً كثيراً ، منهم من أدرك الصحابة فلم أسأله عن شيء – كأنه يضعف أمرهم – اهـ .
فإن كلام الإمام مالك في أمور :
الأول : إن صح كلام مالك فهو جرح غير مفسر ، ينبغي ألا يؤخذ به في مقابل توثيق الأئمة لعائشة بنت سعد والذي تقدم .
الثاني : الذي يظهر أن الأمر خارج عن التضعيف بالمعنى الإصطلاحي فإن مالكاً أدرك عائشة بعد ان كبرت ولم يذكر سبباً لعدم رضاه بالأخذ ، فهي لم تعرف بالضعف أو اشتهرت ببدعة ، فلم يبق إلا الأمر الخارج عن الرواية ، وما هو إلا رحمة الإمام مالك بها لكبر سنها وضعفها ، لم يشأ أن يجهدها .
الثالث : أما تعقيب يعقوب بن سفيان الفسوي على قول مالك : وقد أدركت … كأنه يضعف أمرهم . اهـ .
قلت : هذا ظن لا تقوم به حجة وفي ترجمة الحسن بن موسى الأشيب من مقدمة الفتح (ص397) وروى عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه قال : كان ببغداد وكأنه ضعفه . قلت – أي الحافظ - : هذا ظن لا تقوم به حجة . اهـ .
الرابع : إن مالكاً قد روى عنها كما صرح بذلك الخليلي في الإرشاد (1/221) ، ولم يرو مالك عن امرأة غيرها ، فروايته عنها توثيق منه لها ، لأنه لا يروي إلا عن ثقة ، ثم رجوعه إليها بمثابة زيادة توثيق ، فهو ما روى عنها بعد ضعفها – إن صح – إلا ببينة قوية استبانت له ، فتدبر .
فلا تنظر بعد اتغيب من يسعى لرد توثيق الرواة انتصاراً لرأيه .
وفي مسند البزار حديثان برواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة بنت سعد رورى لها حديثين من هذا الطريق أحدهما حديث التسبيح بالنوى (4/40) وقالالبزار : وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلامن هذا الوجه . اهـ – أي الوجه الذي ليس فيه خزيمة ، فتدبر . وله شاهد (1) موقوف عن عمر رضي الله عنه ذكره ابن أبي شيبة في المصنف (2/391) وفي طبعة دار الفكر (2/283) .
والحاصل أن سند حديث سعد بن أبي وقاص صحيح سواء رواه سعيد بن أبي هلال عن خزيمة أو عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه . وما ذكرته كافٍ في نقص كل ما كتبه الألباني ,هدمه .
وهنا نسأل إخواننا الذين يبدعون ويتعدون ، لماذاتقلدون الألباني ؟ كان الأولى لكم الأخذ بأقوال الأئمة أهل هذا الشأن .
فاعن به ولا تخض بالظن ولا تقلد غير أهل الفن
أو إذا كنتم من أهل النظر ، فهلا تتبعتم الطرق ، ونظرتم في الأسانيد ، وعند ذلك يتبين الصواب ، فلنستغفر الله تعالى عما بدر منا ، إنه كان غفاراً .
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
* * *
2 – رأيته يقوي ما يوافقه ويضعف ما يخالفه .
وأوضح مثال لذلك حديث (واعقدن بالأنامل ، فإنهن مسؤلات مستنطقات ) .
هذا الحديث في إسناده رجل هو هانئ بن عثمان انفرد بتوثيقه ابن حبان ، وأمه حميضة بنت ياسر تفرد عنها ابنها المذكور . وهما في التقريب مقبولان ، وحيث لا متابع لهما فاللين لاصق بهما كما هو اصطلاح الحافظ في التقريب .
ومن العجب أن الألباني ضعف عشرات الأحاديث بوجود مثل أحد الراويين المذكورين في إسناد واحد ، فما بالك بوجود اثنين في نسق واحد ، وانظر إيضاح ذلك في (ص 78 – 81) .
* * *
2- إنه يقول بتوثيق الرواة في مكان (ص46) ويناقض نفسه في نفس الرواة ، ونفس الرسالة (ص 39) فعند احتجاجهم كانوا من الثقاة ثم انقلبوا عندما لم يطلبهم !
* * *
4 – إنه جرئ على مخالفة الأئمة .
ومثال ذلك حديث سعيد بن أبي وقاص في التسبيح بالنوى أو الحصى ، صححه أو حسنه عدد كبير من الأئمة الحفاظ ، منهم الترمذي وابن حبان والحاكم والضياء المقدسي وابن حجر والسيوطي وغيرهم ، فخالفهم لينتصر للألباني .
مثال آخر صحبة أبي صفية مولى رسول الله (ص) لا تعرف إلا من طريق فيه التسبيح بالنوى ، واعتمده كل من صنف في الصحابة ، ومعهم إمام المحدثين البخاري وكذا ابن أبي حاتم … وهم السعداء لا يشقى جليسهم .
فضرب هذا المقلد – الذي يدور في فلك الألباني – بكلام الأئمة عرض الحائط ، لينفخ في بوق الألباني لا غير وانظر بيان ذلك (ص 66 – 68 ) .
ومثال ثالث عندما نقلت عن الحافظ السيوطي (ص 47) قوله : ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدون بها ولا يرون ذلك مكروهاً . اهـ .
عقب على كلام السيوطي رحمه الله تعالى فقال : (باطل) هكذا بكل جرأة (باطل) .
رغم أنني ذكرت هناك مقالات أربعة هم : ابن تيمية ، وابن القيم ، والشوكاني ، والمباركفوري ، في جواز استعمال السبحة وانظر هنا (ص 78 – 80 ) . وهكذا من جهل موقعه وتحويشه ترك الأدب هاج وماج ، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت .
* * *
5- كلامه على البدعة الذي ذكره (ص 7- 11 ) لا يسلم له وهو خطأ .
والمحدثات لم يسلم منها أحد ، ولكنهم يختلفون في تسميتها لا غير ، والقول بتقسيم المحدثات جاء عن عدد من الأئمة . ويكفي اللبيب في هذه العجالة ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه :
المحدثات من الأمور ضربان :
أحدهما : ما أحدث يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً ، فهذه البدعة الضلالة
والثانية : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة .
وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة هذه ، يعني أنها محدثة لم تكن ، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى . اهـ انظر كتاب (مناقب الشافعي) للإمام البيهقي (1/469) .
وإذا سلمنا للمخالفين كلامهم في البدعة ، فلا يخلو مسلم من بدعة ، فإنارة المساجد بالمصابيح الحديثة ، ومكبر الصوت ، ووضع مبردات الماء في المساجد ، وفرشها ، وطبع الكتب … و … و … كل ذلك من البدع نعوذ بالله من المناكد .
* * *
6- إنه لا يدقق النظر في الكلام الذي يخالفه ، فيسارع بنقضه مع محاولة إظهار تناقضي .
مثال ذلك ذكرت كما سيأتي في (ص 48) أن فعل الصحابة ليس بحجة مع سنة رسول الله (ص) ،وأن فعل أحدهم ليس بحجة على فعل الآخرين منهم ، وهذا حق لا مرية فيه .
بيد أن الآثار الواردة عن الصحابة هي حجة بنفسها عند المخالف ، فما بالك وهي توافق المرفوع ، وهذا حق أيضاً .
فالمرفوع – وإن كان ضعيفاً في نظر المخالف – فإنه يتقوى عند ذلك بالموقوف .
ألا ترى تقوية المرسل عند الشافعي رضي الله عنه بفتوى الصحابي .
ولما وجد – علي الحلبي – آثاراً قد استدللت أو استأنست بها ، وآثاراً – وهي لم تصح – أعرضت عنها اعتبره تناقضاً . والفرق بينهما واضح ، وعليه يصدق قول القائل :
سارت مشرقة وسرت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب
* * *
7- أورد لمحة تاريخية عن السبحة (ص 89 – 92 ) في آخر رسالته فاستدل بكلام من لا يعتد بكلامه ، لعدم معرفته بالآثار في باب العمدة فيه على الأثر فقط ، ومما زاد الطين بلة اعتماده كلام المستشرقين ، ممن لا يدينون بدين الإسلام .
ثم لك أن تعجب منه إذ استدل بكلام المشركين على بدعية السبحة .
وعندما قال الحافظ جلال الدين السيوطي : ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة .اهـ قال علي الحلبي : (ص 83) (باطل) .
أهكذا يكون الإنصاف ؟ كلا إنه التعصب والاعتساف .
* * *
8- حمدت له اعترافه بصوابي – تحت ما رآه من تحقيق في وصول التهاني – انظر كتابه (ص 36، ك ، 58 ، 76 ) أضف إليه اعترافاته الأخرى على الألباني في أنواره الكاشفة ودراساته حول صحيح مسلم وغير ذلك .
* * *
وهذه الاعترافات منه على الألباني – والذي لم يستطع أن يفر منها وفر من عشرات غيرها – مستغنية عن الإفاضة في التعليق عليها غير أن الأمر لا ينبغي أن يخلى من نصيحتين :
الأولى : ينبغي على الألباني أن يراجع ما كتبه وينقحه ، وينظر في مئات التناقضات الواقعة في كتبه لأن أوهامه وتناقضاته متعدية ، فهي لا تقتصر على أوهامه (تحقيقاته !!) بل إنه ينقل هذه الأوهام إلى مشاريع تجارية ، تسمى صحيح … وضعيف … !
نعم رأيته يعترف في مقدمة ضعيفته (1/6) برجوعه عن قوله في كنانة – مولى صفية – مجهول الحال إلى أنه صدوق تبعاً لما ذكرته في [وصول التهاني (ص 14 – 17)] . ولكن ماذا أفاد هذا الرجوع ؟.
لم يفد شيئا لأنه كابر وأغمض عينيه على ما يثبت به الحديث كما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى (ص 32 – 35) .
الثانية : الذي يظهر لي من عمل الألباني في الرجال ، أنه لا يعتمد على الأصول ، ويرجع غالباً لكتاب واحد فقط . ويعتمد على المختصرات ، كالمغني للذهبي ، والتقريب للحافظ ، وقد نبهت على ذلك في مقدمة ( النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح ) للحافظ العلائي .
وقد اعترف علي الحلبي بذلك ، فقال في رده علي – حاشية – (ص 36) : ولم ينشط شيخنا حفظه الله لمراجعة التهذيب … إلخ .
وقال نحو ذلك في (ص 41 ، 76 ) وغير خفي أن من يريد أن يحكم على الأحاديث بالصحة والضعف ، ينبغي له أن يستفرغ الوسع . وإلا … نسأل الله العافية .
أما أخطاؤه وتناقضاته في الرجال – وخاصة المستور – فحدث ولا حرج ، وقد ذكرت جملة وافرة من ذلك في كتابي ( حصول المأمول بتفصيل أحوال الراوي المجهول) والأمر يحتمل أكثر من ذلك .
* * *
وأرجو من إخواننا الأفاضل أن يتدبروا ما تم تحريره في هذا الجزء وأن يتحرروا من التعصب وأن يكون الإنصاف هو ديدنهم .
اللهم ثبت قلوبنا على الحق ، إنك على كل شيء قدير .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وآله وأصحابه كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون ، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .
وكتب
محمود سعيد ممدوح
عفي عنه
في ليلة الاثنين 24 صفر الخير سنة 1415 هـ
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
وصول التهاني
بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني
بقلم
محمود سعيد ممدوح
Islam_light
مقدمة الطبعة الثالثة
الحمدلله ولي النعم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ خير الذاكرين وعلى آله المطهرين وأصحابه أولي الفضل والكرم والتمكين
وبعد :
فهذه هي الطبعة الثالثة من رسالة { وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني } أقدمها للقراء الكرام ، بعد أن نفدت الطبعتان السابقتان ، بسبب الإقبال الذي حدث على الرسالة المذكورة ، مما دفع بعض المحبين إلى تصويرها رغبة في الانتفاع بها بعد نفاد نسخها .
وكانت قد أثيرت ضجة ، وحصل وعيد وتشديد حول أمرٍ صغيرٍ ، ألا وهو التسبيح بالسبحة ، والذي اعتاده الناس طبقة بعد طبقة باختلاف المذاهب ، وتواتر استعمالها عن العلماء من كل جانل ، وكان من شأن هذه الضجة رمي عباد الله – الذين استعانوا بالمسبحة لضبط أعداد أذكارهم – بالبدعة !! وهكذا شأن المشددين الذين يسارعون بإعلان الإنكار ، والرمي بالبدعة ، ويتبع ذلك التضليل، والهجر ، والرد ، وتشديد النكير ، واللمز بالألقاب … و … و … في قائمة طويلة من المفتريات المعروفة .
ومنشأ ذلك هجر أدب الاختلاف ، وكأن هذا الأدب العظيم لبس ثوب الابتداع عندهم .
ومن علامات هذا الهجر أنهم يعمدون إلى مسائل خلافية ، فيحصرون الحق فيما زعموه حقاً ، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعدى إلى أنهم جعلوا حقهم علامةً على الرأي القويم ، وبرهان ابتداع وضلالة لمن خالفهم ، دون نظر حتى لاختلاف السلف أنفسهم في المسألة المتنازع فيها .
ومن شواهد ذلك أنك ترى اتفاق الأمة على صحة أحاديث الصحيحين ، بينما تراهم يوهنون أمر الصحيحين ، وينظرون في أسانيدهما ، فيصححون ويضعفون ما يرونه ، وهم متعقبون في عملهم . ولم يقتصر الأمر على ذلك بل قاموا بنقل أوهامهم في مشروع تجاري قسموا فيهالسنن الأربعة إلى صحيح وضعيف .
وإذا تعقبهم في تخبطهم ذو حرص على السنة ، قاموا وقعدوا وأرعدوا وتوعدوا ، ونبزوه بالألقاب ، وعدوه من أعداء السنة وأهل التوحيد … إلخ .
والشيطان يلبس عليهم ، فيظنون أن التجريح والتبديع والتشهير هو من الانتصار لدين الله تعالى ولمنهج السلف الصالح ، فيبيحون لأنفسهم الغيبة ونهش الأعراض والغمز واللمز .
وإذا ضم إلى ما سبق طلب الشهرة كانت الطامة الكبرى . وللأسف فالكتيبات التي تضم هذه الخصائص مجتمعة ، متوافرة بين أيدي فئة عريضة من الشباب ، وهي توزع بالمجان !!! ، أو تباع بأسعار زهيدة !!! . فإلى الله المشتكى .
ولهم في ذلك ألسن معروفة ، وأقلام مبذولة ، ومن هذه الأقلام مما يتعلق بهذه الرسالة علي حسن عبد الحميد الحلبي الذي كتب في التعقيب على رسالة سماها (إحكام المباني في نقص وصول التهاني ) .
ورسالته (كشف المتواري) تدلك عليه وقد كفر فيها إمام من أئمة المسلمين الذين جمعوا بينالعلم والعمل إضافة للإنتساب للجناب النبوي الشريف من أبويه ، ويضيق صدري ولا ينطلق لساني ، وعند الله تلتقي الخصوم ولئن صبرتم لهو خير الصابرين .
وهو كغيره له الحق فيما يراه مجانباً للصواب ، فلا أحد جمع الحق إلا المعصوم (ص) .
بيد أنني لما نظرت في (إحكام المباني … ) ورأيت ما فيها من أخطاء وأوهام ، وتناقضات ، واعترافات بأوهام الذي صنفت الرسالة المذكورة للدفاع عنه – أعني الألباني - قلت : الصواب أن تسمى هذه الرسالة ( إحكام المباني في تأييد وصول التهاني بإثبات سنية السبحة والرد على الألباني ) .
وقد بدت لي ملاحظات على رسالة علي الحلبي في التعقيب علىَّ أذكرها في النقاط الآتية :
1- يلاحظ عليه سعيد للانتصار للألباني ، والانتصار له فقط هو الغاية والمراد ، ولا يزيد عنترديد كلامه ، والنفخ في بوقه ،وكتاباته تفضح دخيلته وتكشف مدى تعصبه ، بحيث أصبح الألباني المتكلم وهو الصدى .
• ولذلك أكثر من نقل كلام الألباني من (الرد على التعقب الحثيث) مع تنزيل الألباني منزلة الدليل !!! (ص 28 – 29 ) .
• وإذا احتج الألباني في رجل ، انتصر له (ص 48 ، 76 ) .
• وإذا أخطأ الألباني ، يقول : لم ينشط للمراجعة (ص 36 ، 41 ) .
• وإذا خالف الأئمة ، وقف وراءه يدفعه ، ويؤيد شذوذه (ص 78 ) .
• وإذا قصر الألباني في البحث عن طرق الحديث ، مر عليه وطواه وكأنه لم يفعله (ص 44 – 49 ) .
• وإذا قوَّل الألباني الحاكم والذهبي مالم يقولاه ، سكت ومشى وكأن الأمر لا يعنيه (ص 24)
والقائمة طويلة …
يتبع ...
رد: ذكـر الله باستعمال السبحة
ما شاء الله أختنا عاشقة الأمل على اختيار هذا الموضوع المُبسط المُسهل لفهم المسألة وللفائدة لمن أراد التعمق أكثر في المسألة نستأذنكم بإضافة رسالة لشيخنا محمود سعيد ممدوح حفظه الله رد بها على الألباني في ذات الموضوع وهي باسم :
وصول التهاني بإثبات سنية السُبحة والرد على الألباني
وصول التهاني بإثبات سنية السُبحة والرد على الألباني
ذكـر الله باستعمال السبحة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ..امابعد
فإن السبحة ليست بدعة دينية ، وذلك لأن الإنسان لا يقصد بها إلا ضبط الأذكار الموجودة في ورده لأن الذكر بالعدد له سر يدريه جيدا أهل الله أصحاب الإختصاص وفقه الروح...وقد علم رسول الله ينته البتول سيدتنا فاطمة وما أدراك ما فاطمة رضي الله عنها وأرضاها أن تسبح 33 وتكبر 33 وتحمد الله 33.
السبحة اذن يقصد منها ضبط عدد من التسبيح الذي يقوله الذاكرأو التهليل أو التحميد أو التكبير فهي وسيلة..وآلة تؤدي غرضا تعبديا هو ذكر الله بسر العدد..وبالتالي فهي ليست ببدعة لأن البدعة لا تجوز في الآلة وإلا لكان ركوب الحافلات والطائرات بدعة وضلالة ،
نعم اتفق أهل العلم على أن التسبيح بالأصابع أفضل؛ لما رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده. ولقوله صلى الله عليه وسلم {يا معشر النساء اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات}، ولا يعني ذلك أن التسبيح بواسطة المسبحة ممنوع أو مكروه بدليل حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال صلى الله عليه وسلم: {أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك} رواه أبو داود والترمذي،
وحديث صفية رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها. فقال: لقد سبحت بهذا، ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟ فقالت: علمني. فقال: قولي: {سبحان الله عدد خلقه} رواه الترمذي.
قال الشوكاني رحمه الله: هذان الحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد على ما هو أفضل لا ينافي الجواز.أ.هـ
وقد أورد السيوطي رحمه الله في فتواه المطبوعة ضمن كتاب (الحاوي في الفتاوى) آثاراً تؤيد ذلك عن سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي صفية مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، إلى أن قال رحمه الله: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عدِّ الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهاً.أ.هـ
وعليه نقول: إذا كان الذكر مما يسهل عدُّه بالأصابع كالباقيات الصالحات دبر الصلوات المكتوبات فلا شك أن إحصاءها بالسبحة يُعدُّ تفريطاً في السنة وإيثاراً للمفضول على الفاضل، وإن كان الذكر مما يعسر عده بالأصابع لتنوع أفراده وصعوبة إحصائه فلا حرج في استعمال السبحة، ولك فيمن ذُكر من السلف أسوة، والله تعالى أعلم.
منقول
فإن السبحة ليست بدعة دينية ، وذلك لأن الإنسان لا يقصد بها إلا ضبط الأذكار الموجودة في ورده لأن الذكر بالعدد له سر يدريه جيدا أهل الله أصحاب الإختصاص وفقه الروح...وقد علم رسول الله ينته البتول سيدتنا فاطمة وما أدراك ما فاطمة رضي الله عنها وأرضاها أن تسبح 33 وتكبر 33 وتحمد الله 33.
السبحة اذن يقصد منها ضبط عدد من التسبيح الذي يقوله الذاكرأو التهليل أو التحميد أو التكبير فهي وسيلة..وآلة تؤدي غرضا تعبديا هو ذكر الله بسر العدد..وبالتالي فهي ليست ببدعة لأن البدعة لا تجوز في الآلة وإلا لكان ركوب الحافلات والطائرات بدعة وضلالة ،
نعم اتفق أهل العلم على أن التسبيح بالأصابع أفضل؛ لما رواه أحمد والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده. ولقوله صلى الله عليه وسلم {يا معشر النساء اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات}، ولا يعني ذلك أن التسبيح بواسطة المسبحة ممنوع أو مكروه بدليل حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال صلى الله عليه وسلم: {أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك} رواه أبو داود والترمذي،
وحديث صفية رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها. فقال: لقد سبحت بهذا، ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟ فقالت: علمني. فقال: قولي: {سبحان الله عدد خلقه} رواه الترمذي.
قال الشوكاني رحمه الله: هذان الحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد على ما هو أفضل لا ينافي الجواز.أ.هـ
وقد أورد السيوطي رحمه الله في فتواه المطبوعة ضمن كتاب (الحاوي في الفتاوى) آثاراً تؤيد ذلك عن سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي صفية مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، إلى أن قال رحمه الله: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عدِّ الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهاً.أ.هـ
وعليه نقول: إذا كان الذكر مما يسهل عدُّه بالأصابع كالباقيات الصالحات دبر الصلوات المكتوبات فلا شك أن إحصاءها بالسبحة يُعدُّ تفريطاً في السنة وإيثاراً للمفضول على الفاضل، وإن كان الذكر مما يعسر عده بالأصابع لتنوع أفراده وصعوبة إحصائه فلا حرج في استعمال السبحة، ولك فيمن ذُكر من السلف أسوة، والله تعالى أعلم.
منقول
عاشقة الأمل- مشرف
- عدد الرسائل : 51
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 23/07/2008
مواضيع مماثلة
» ابن باز: الله له ظل كما يلييق بجلاله !! تعالى الله عما يصفون!! رد ابن عثيمين على هذه المسألة
» بن باز :عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مخالفا للسنة،
» حكم الحلف بغير الله ...
» فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرش الله
» صفات الله الواجب معرفتها...
» بن باز :عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مخالفا للسنة،
» حكم الحلف بغير الله ...
» فاتحة الكتاب كنز من كنوز عرش الله
» صفات الله الواجب معرفتها...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى