اقوال اهل السنة والجماعة في الحرف والصوت
صفحة 1 من اصل 1
اقوال اهل السنة والجماعة في الحرف والصوت
http://al7ewar.net/forum/showthread.php?t=850&highlight=%E5%E1+%D1%C3%EC+%C7%E1%E4%C8%ED+%D1%C8%E5
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلق الله اجمعين وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين ..
وبعد ....
من مواضيع شيخنا اليافعي في الحوار
قال محمد اليافعي : هذا بيان في بعض اقوال اهل السنة والجماعة في مسالة الحرف الصوت ، فاقول وبالله التوفيق ومنه السداد :
= قال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله : ( يوجد بين البشر من يرضى لنفسه أن يقول: ( إن القرآن كلام الله بحرف وصوت، ومع ذلك فهو غير مخلوق )!!
وفي هؤلاء يقول أبو بكر الباقلاني في ( النقص الكبير ):" من زعم أن السين من بسم الله بعد الباء، والميم بعد السين الواقعة بعد الباء لا أول له، فقد خرج عن المعقول وجحد الضرورة، وأنكر البديهة. فإن اعترف بوقوع شيء بعد شيء فقد اعترف بأوليته، فإذا ادعى أنه لا أول له فقد سقطت محاجته وتعين لحوقه بالسفسطة. وكيف يُرجى أن يرشد بالدليل من يتواقح في جحد الضرورى "اهـ [ راجع ( الشامل ) لإمام الحرمين، و ( نجم المهتدى ) لابن المعلم القرشي ].
وقال الحليمي في( شعب الإيمان ):" ومن زعم أن حركة شفتيه أو صوته أو كتابته بيده في الورقة هو عين كلام الله القائم بذاته، فقد زعم أن صفة الله قد حلت بذاته، ومست جوارحه، وسكنت قلبه، وأي فرق بين من يقول هذا وبين من يزعم من النصارى أن الكلمة اتحدت بعيسى عليه الصلاة والسلام؟! "اهـ.
وبعد إحاطة القارئ علماً بهذا وذاك، لينظر قول الموفق بن قدامة صاحب المغني ـ الذي يقول عنه ابن تيمية إنه ما حل دمشق مثله بعد الأوزاعي ـ في مناظرته مع بعض الأشاعرة في صدد نفي الكلام النفسي، المسجلة في المجموعة المحفوظة تحت رقم 116 بظاهرية دمشق: ( قال أهل الحق: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقالت المعتزلة هو مخلوق. ولم يكن اختلافهم إلا في هذا الموجود دون ما في نفس الباري مما لا ندري ما هو ولا نعرفه اهـ ). وله أيضاً: ( الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم )!! وفيه عجائب. فيكون اعترف في أول خطوة أن الحق بيد المعتزلة وهو لا يشعر. فإذا كان حال الموفق هكذا فماذا يكون حال من دونه؟! نسأل الله الصون. وقد أجاد الآلوسي المفسر الرد عليه وعلى إخوانه من نفاة الكلام النفسي في مقدمة تفسيره، فنستغني بذلك عن الإفاضة فيه هنا.
والواقع: أن القرآن في اللوح وفي لسان جبريل عليه السلام وفي لسان النبي صلى الله عليه وسلم وألسنة سائر التالين وقلوبهم وألواحهم مخلوق حادث محدَث ضرورة. ومن ينكر ذلك يكون مسفسطاً ساقطاً من مرتبة الخطاب؛ وإنما ( القديم ): هو المعنى القائم بالله سبحانه، بمعنى الكلام النفسي في علم الله جل شأنه في نظر أحمد بن حنبل وابن حزم؛ وقد صح عن أحمد قوله في المناظرة: ( القرآن في علم الله وعلم الله غير مخلوق )، أو بمعنى صفة الكلام القائمة بالله سبحانه كقيام صفات العلم والقدرة ونحوهما به جل شأنه على تقدير ثبوت إطلاق القرآن عليها.
فدلالة القرآن على المعنى القائم بالله بالاعتبار الأول دلالة اللفظ على مدلوله الوضعي، ويشمل وجوده العلمي اللفظ والمعنى في آن واحد؛ لأن كليهما في علم الله.
ودلالته على الصفة القائمة به سبحانه بالاعتبار الثاني تكون دلالة عقلية كما لا يخفى.
فقولهم: ( القرآن مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في قلوبنا، مقروء بألسنتنا، مسموع بآذاننا، من وصف المدلول باسم الدال مجازاً كما نص على ذلك السعد العلامة في شرح المقاصد، بل قال في شرح النسفية عند شرح قول النسفي: ( غير حال فيها ) : أي مع ذلك ليس حالاً في المصاحف ولا في القلوب والألسنة والآذان، بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى، يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه، ويحفظ بالنظم المخيل، ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال: النار جوهر محرق. يذكر باللفظ، ويكتب بالقلم، ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتاً وحرفاً "اهـ.
ثم توسع في بيان الوجودات في الأعيان والأذهان والعبارات والكتابات مما يعد من مبادئ معارف المشتغلين بهذا العلم.
وبهذا تتبين قيمة شهادة ابن تيمية في حق العلماء، وليس عنده سوى ألفاظ مرصوصة لا إفادة تحتها في بحوثه الشاذة كلها، وغير المفيد لا يعد كلاماً، ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث.
وقد أفاض الحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري في رسالة خاصة في تبيين بطلان الروايات في ذلك زيادة على ما يوجبه الدليل العقلي القاضي بتنزيه الله عن حلول الحوادث فيه سبحانه، وإن أجاز ذلك الشيخ الحراني تبعاً لابن ملكا اليهودي الفيلسوف المتمسلم، حتى اجترأ على أن يزعم أن اللفظ حادث شخصاً، قديم نوعاً!! يعني: أن اللفظ صادر منه تعالى بالحرف والصوت فيكون حادثاً حتماً، لكن ما من لفظ إلا وقبله لفظ صدر منه إلى ما لا أول له فيكون قديماً بالنوع!! ويكون قدمه بهذا الاعتبار في نظر هذا المنحرف، تعالى الله عن إفك الأفاكين.
ولم يدر المسكين بطلان القول بحلول الحوادث في الله جل شأنه، وأن القول بحوادث لا أول لها هذيان؛ لأن الحركة انتقال من حالة إلى حالة، فهي تقتضي بحسب ماهيتها كونها مسبوقة بالغير، فوجب أن يكون الجمع بينهما محالاً. ولأنه لا وجود للنوع إلا في ضمن أفراده، فادعاء قدم النوع مع الاعتراف بحدوث الأفراد يكون ظاهر البطلان. وقد أجاد الرد عليه العلامة قاسم في كلامه على المسايرة.
وفتاوى أهل العلم في الرد على الصَّوتية مسرودة في تكملة الرد على نونية ابن القيم. راجع [ السيف الصقيل ( ص: 41 ـ 64 ) ].
ونص فتيا العز بن عبد السلام:" القرآن كلام الله صفة من صفاته، قديم بقدمه، ليس بحروف ولا أصوات، ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين، وكتابة الكاتبين، فقد ألحد في الدين، وخالف إجماع المسلمين، بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق، ولا ترك البدع سارية في المسلمين، ويجب على ولاة الأمر إعانة العلماء المنزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين. ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها، ولا يحل لولاة الأمور تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين، ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير، والله أعلم. كتبه عبد العزيز بن عبد السلام "اهـ.
ووجوب صون المجتمع الإسلامي من إفساد مفسد لعقيدتهم سيما في مساجدهم أمر لا يخص بلداً ولا زمناً. ألهمنا الله رشدنا.
وتخيل حلول كلام الله في تلاوة التالي في كلام السالمية تخيل مبرسم.
وقد هفا ابن قتيبة هفوة باردة في كتابه ( الاختلاف في اللفظ ) في تفلسفه بشأن اللفظ المسموع، فرددنا عليه رداً واضحاً مكشوفاً، فلو علم أن أسماء الكتب من قبيل أعلام الأجناس، فيتناول اسم ( أدب الكاتب ) له مثلاً ما تخيله هو في ذهنه أو كتبه بيده أو أملاه على مستمليه من ألفاظه وعباراته وألفاظ سائر القراء لكتابه، لعلم أن القرآن يشمل ما في اللوح وما في لسان جبريل عليه السلام، ولسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألسنة سائر التالين، وأن الكل محدث مخلوق سوى ما قام بالله قياما علمياً أو قيام صفة كما سبق، فيكون تصور تلقي القرآن من الله بحرف وصوت من فيه زيغاً مبيناً.
وقد كذب من عزا إلى أحمد بن حنبل أنه قال: ( وكلم الله موسى تكليماً ): من فيه، وناوله التوراة من يده إلى يده؛ كما نقله عبد القادر بدران المسكين في كتابه ( المدخل ) إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رواية بطريق الاصطخري عنه ( ص: 30 )، وتلك الرواية موجودة أيضاً في ( طبقات الحنابلة ) للقاضي أبي الحسين بن أبي يَعْلى في ترجمة الاصطَخْري.
لكن المفروض أن يتورع مثل ابن بدران في مثل هذا العصر أن ينقل مثل ذلك بدون تزييفه.
وترى هكذا الأمر أخطر مما يتصور، ألهمنا الله السهر على معتقد جماعة المسلمين، وجنبنا مسايرة المبطلين. ) انظر مقالات الكوثري ( 57 - 61 )
= وقال العز بن عبد السلام ما نصه : ( فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادا في اللوح والاوراق شكلا ترمقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته}, إلى أن قال:{ فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد ) انظر رسائله في التوحيد ( ص12 ) .
= وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله : ( وبذلك نشأ الخلاف بين فرق الأمة في مسألة الكلام, فصار فيها ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب المعتزلة و الماتريدية؛ وهو أن الله متكلم, ومعناه أن تلك الصفة يمتنع كونها مسموعة وأن المسموع حروف وأصوات مخلوقة, ويمكن أن نفرق بين مذهب المعتزلة والماتريدية, بأن الماتريدية أثبتت صفة نفسية, والمعتزلة لم تثبت ذلك فقالت هي صفة فعل لاصفة ذات.
الثاني: مذهب الأشاعرة وهو: أن الله متكلم, ومعناه:
أن الصفة النفسية المنزهة عن الحرف والصوت يمكن أن يسمعها الله من شاء من خلقه.
والثالث: مذهب الكرامية وجمهور الحنابلة القائلين بأن الله متكلم، ومعناه أن هذه الحروف والأصوات هي الكلام القديم النفسي القائم بذات الله تعالى, وهو قديم النوع حادث الأفراد, وأن هذه الحروف والأصوات غير مخلوقة, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
فأما القول الأول و الثاني فيمكن الأخذ بواحد منهما حسبما يترجح و يتبين لكل عالم من حيث الأدلة بعد إثبات صفة الكلام في الجملة و الله الموفق والهادي )انظر تفسيره ( 3 / 29 ـ 30 ) .
= وقال في موضع آخر : ( المسألة الرابعة: أجمعت الأمة على أن الله تعالى متكلم, ومن سوى الأشعري و أتباعه أطبقوا على أن كلام الله هو هذه الحروف المسموعة و الأصوات المؤلفة, وأما الأشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلام الله تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه الحروف والأصوات )
أما الفريق الأول: وهم الذين قالوا كلام الله تعالى هو هذه الحروف والكلمات فهم فريقان, ( أحدهما ) الحنابلة الذين قالوا بقدم هذه الحروف، وهؤلاء أخس من أن يذكروا في زمرة العقلاء, واتفق أني قلت يوماً لبعضهم: لو تكلم الله بهذه الحروف إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي، والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لايفيد هذا النظم المركب على هذا التعاقب والتوالي، فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلام الله تعالى, والثاني: باطل لأنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة, ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلام قال: الواجب علينا أن نقر ونمر ) نفس المصدر ( 14 / 188 ) .
= ويقول العلامة الغنيمي الميداني الحنفي مانصه : ( وهو أي كلام الله الصفة الأزلية القائمة بذاته تعالى المنافية للسكوت والآفة وليس بحرف ولا صوت ليس بمخلوق ككلام البرية المؤلف من الحروف المشتمل على الأصوات, وقوله ليس بمخلوق خبر لقوله: إن القرآن, ولذا جعلت قوله كلام الله تفسيراً للقرآن, وإن كان الأقرب أن يكون هو الخبر لما نقل السعد في شرح العقائد عن الأشياخ أنه يقال: القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ولا يقال: القرآن غير مخلوق لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف بين الأصوات و الحروف قديم, كما ذهب إليه الحنابلة جهلاً وعناداً ) انظر شرح العقيدة الطحاوية ( 68 )
= وقال الشيخ عبد الهادي أبو أصبع حفظه الله عند شرحه للبيت :
ونــزه القرآن أي كلامــه ***** عن الحدوث و أحذر انتقامه
قال الشيخ البيجوري في شرح هذا البيت:
(( أي اعتقد أيها المكلف تنزه القرآن بمعنى كلامه تعالى عن الحدوث خلافاً للمعتزلة القائلين بحدوث الكلام زعماً منهم أن من لوازمه الحروف والأصوات, وذلك مستحيل عليه تعالى, فكلام الله تعالى عندهم مخلوق, لأن الله تعالى خلقه في بعض الأجرام، ومذهب أهل السنة أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق, وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق, لكن يمتنع أن يقال القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق, ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن )). انظر كتابه الجوهر الفريد في علم التوحيد ( ص59 ـ 60 ) .
= وقال الامام ابو حنيفة النعمان في الفقه الأكبر والوصية : ( والقرءان كلام الله غير مخلوق ، ووحيه وتنزيله على رسول الله . وهو صفته على التحقيق . مكتوب في المصاحف ، مقروء بالألسنة ، محفوظ في الصدور غير حال فيها . والحبر والكاغَد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد . فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم ) .
= وقال في " الفقه الأبسط " : ( ويتكلم لا ككلامنا . نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بِلا ءالة ولا حرف . فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر ) .
= وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله : ( وأنه حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا وصت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على ذاته كما يجب احترامها لدلالتها على صفاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته ) انظر ايضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام .
= وقال ايضا : ( فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد، وأحمد ابن حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف براء مما نسبوه إليهم واختلقوه عليهم، وكيف يظن بأحمد وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف الله تعالى قديم، وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل ) المصدر السابق .
= وقال ايضا : ( والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون عن صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، وكذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان.
ومن توقف في ذلك لم يعد من العقلاء، فضلاً عن العلماء، فلا كثر الله من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.
ومن قال: إن الوصف القديم حال في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول: إن وصف الله القديم احترق !! سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك منافٍ للقدم، فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري ؟! ) المصدر السابق .
= وقال ايضا : ( ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين ولا ألفاظ اللافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدين، وخرج عن عقائد المسلمين، فلا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي، وربنا المستعان على ما تصفون. ) المصدر السابق .
وهذه الرسالة ( ايضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام ) القيمة تجدها على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/view...622&highlight=
= وقال الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي _ رحمه الله _: ( فإن قيل : ( كن ) كاف ونون ، ودليل الحدوث فيهما بيِّن لكونهما أحرفاً؛ فإن الأحرف لا تخرج إلاَّ من مخارج: فالميم مخرجها من الشفتين وانطباق عضو على عضو، والحاء: مخرجها من الحلق، وكذلك سائر الحروف؟! فإذا كانت الحروف لا تخرج إلاّ من مخارج, والربّ عز وجل منزّه عن ذلك؛ لأنه ليس ذا ألفاظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض: فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة! وما هذه صفته: لا يكون إلاّ مخلوقاً. ولأن هذه الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساماًً مخلوقة، فتارة تكون بالحبر، وتارة تكون بالازورد، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها، فإذا قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد إلاّ هذه الأجسام والألوان المخلوقةِ فقد قلنا بقدم العالم؛ لأن القديم لا يحل في المحدث، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقده النصارى؛ لأنهم يقولون: إن كلمة الله القديمة حلّت في عيسى فصار عيسى قديماً أزلياً! بل يكون هذا القول أعظم قولاً من النصارى؛ لأنهم لم يقولوا إلا بقدم عيسى! والقائل " بأن الكاف والنون قديمة " يقول بقدم أكثر المخلوقات، وإذا ثبت أن هذا الكاف والنون وجميع الحروف مخلوقة، لمشاهدتنا لها في دار الدنيا؛ لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف، لأن الصفة لا تفارق الموصوف؛ لأنها إذا فارقته يكون موصوفاً بضدها، بطل ما ادعيتموه من القدم؟! ) .
وتجد كلامه كاملا على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/viewtopic.php?t=922
= وقال الامام الغزالي رحمه الله : ( وأنه تعالى متكلم آمر ناه ، واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته ، لا يشبه كلام الخلق ، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ، ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان ، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنـزلة على رسله عليهم السلام ، وأن القرآن مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، وأنه مع ذلك قديم ، قائم بذات اللّه تعالى ، لا يقبل الانفصال والافتراق ، بالانتقال إلى القلوب والأوراق ، وأن موسى صلى اللّه عليه وسلم سمع كلام اللّه بغير صوت ولا حرف ، كما يرى الأبرار ذات اللّه تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض ........... ) انظر عقيدة اهل السنة والجماعة لحجة الاسلام الغزالي ، وتجدها على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/viewtopic.php?t=835
= وقال العلامة احمد البرزنجي المدني( قيوم باق (ذاته) مخالفة لجميع الذوات (وصفاته) الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، ومن كلامه القرآن العظيم المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور المقروء بالألسنة ) . انظر رسالة في التوحيد للعلامة احمد البرزنجي المدني، وتجدها على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/viewtopic.php?t=816
= قال الشيباني في شرح الطحاوية ما نصه : ( والحرف والصوت مخلوق، خلق الله تعالى ليحصل به التفاهم والتخاطب لحاجة العباد إلى ذلك أي الحروف والأصوات، والبارىء سبحانه وتعالى وكلامه مستغن عن ذلك أي عن الحروف والأصوات، وهو معنى قوله: "ومن وصف الله تعالى بمعنى من معاني البشر فقد كفر ) . انظر شرح الطحاوية (ص/ 14)، مخطوط.
وأما أحاديث الصوت فليس فيها ما يحتج به في العقائد، وقد ورد حديث مختلف في بعض رواته وهو عبد الله بن محمد بن عقيل - وراجع ترجمته في: الضعفاء الكبير (2/ 298)، الكامل (4/ 1446)، المجروحين (2/ 3)، سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (ص/ 88)، أحرال الرّجال (ص/ 138)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 140)، الجرح والتعديل (5/ 153)،0 المغني (1/ 354)، تهذيب التهذيب (6/ 13)، الكاشف (2/113)، ميزان الاعتدال (3/ 484)، التاريخ الكبير (5/ 183) - ، روى حديثه البخاري - في الأدب المفرد عن ابن عقيل باب المعانقة، وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيدفي باب قول الله تعالى: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) الآية ذكره تعليقًا بغير إسناد - بصيغة التمريض، قال: ويُذكر، وفيه : ( فينادى بصوت فيسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ ، أنا الملك أنا الديّان ) ، وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض من أجل راويه هذا، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بثرح صحيح البخاري (1/ 174- 175) مانصه : ( ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأنّ الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف- فيها ولو اعتضدت ) .
أي لا يكفي ذلك في مسائل الاعتقاد وإن كان البخاري ذكر أوله في كتاب العلم - أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم - بصيغة الجزم لأنه ليس - فيه ذكر الصوت، إنما فيه ذكر رحيل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أُتَيْس من المدينة إلى مصر.
= والحديث الآخر أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم) : ( يقول الله يوم القيامة : ياءادم، فيقول: لبيّك وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار ) هذا اللفظ رواه رواة البخاري على وجهين، بعضهم رواه بكسر الدال وبعضهم رواه بفتح الدال.
= وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 460) مانصه : ( ووقع فينادي مضبوطًا للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور، فإن قرينة قوله: إن الله يأمرك، تدل ظاهرًا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك ) ..
وهذا الحديث رواه البخاري موصولاً مسندًا، لكنه ليس صريحًا في إثبات الصوت صفة لله فلا حجة فيه لذلك للصوتية.
= وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (458/13) مانصه : ( قال البيهقي : اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي غير حديثه، فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره في حديث ابن مسعود وفي حديث أبي هريرة أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا، فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة، وأشار- يعني البيهقي- في موضعءاخر إلى أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بصوت ) .
= وقال الكوثري في مقالاته (ص/ 33 ) ما نصه: ( ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث ) . وكذا قال البيهقي في الأسماء والصفات (ص/ 273).
= وقد ذكر الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي أثناء ترجمة الحافظ ناصر السنة أبي الحسن علي ابن أبي المكارم المقدسي المالكي ما نصه نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/ 249)، مخطوط : ( كان صحيح الاعتقاد مخالفا للطائفة التي تزعم أنها أثرية، صنف كتابه المعروف بكتاب الأصوات أظهر فيه تضعيف رواة أحاديث الأصوات وأوهاهم، وحكى الشيخ تقي الدين شرف الحفاظ عن والده مجد الدين قال بأنه بلغ رتبة المجتهدين )
= وقال القرطبي في التذكرة (ص/ 338- 339) ما نصه : ( فصل: قوله في الحديث: "فيناديهم بصوت": استدل به من قال بالحرف والصوت وأن الله يتكلم بذلك، تعالى عما يقول المجسمون والجاحدون علوًا كبيرًا، إنما يُحمل النداء المضاف إلى الله تعالى على نداء بعض الملائكة المقربين بإذن الله تعالى وأمره، ومثل ذلك سائغ في الكلام غير مستنكر أن يقول القائل: نادى الأمير، وبلغني نداء الأمير، كما قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَونُ فِي قَوْمِهِ) (سورة الزخرف/51)، وإنما المراد نادى المنادي عن أمره، وأصدر نداءه عن إذنه، وهو كقولهم أيضًا قتل الأمير فلانًا، وضرب فلانًا، وليس المراد توليَه لهذه الأفعال وتصديَهُ لهذه الأعمال، ولكن المقصود صدورها عن أمره. وقد ورد في صحيح الأحاديث أن الملائكة ينادون على رؤوس الأشهاد فيخاطبون أهل التقى والرشاد: ألا إن فلان ابن فلان كما تقدم.
ومثله ما جاء في حديث النزول مفسرًا فيما أخرجه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد قالا: قال رسول الله: " إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا. يقول: هل من داع يستجاب له، هل من مستغفريغفرله، هل من سائل يعطى صححه أبو محمد عبد الحق، وكل حديث اشتمل على ذكر الصوت أو النداء فهذا التأويل فيه، وأن ذلك من باب حذف المضاف، والدليل على ذلك ما ثبت من قِدَم كلام الله تعالى على ما هو مذكور في كتب الديانات.
فإن قال بعض الأغبياء: لا وجه لحمل الحديث على نا ذكرتموه فإن فيه: "أنا الديّان"، وليس يصدر هذا الكلام حقًّا وصدقًا إلا من رب العالمين؟ قيل له: إن الملَكَ إذا كان يقول عن الله تعالى ويُنْبِىءُ عنه فالحكم يرجع إلى الله رب العالمين، والدليل عليه أن الواحد منا إذا تلا قول الله تعالى: (إنًّنِي أَنَا الله) (سورة طه/14)، فليس يرجع إلى القارىء وإنما القارىء ذاكر لكلام الله تعالى ودالُّ عليه بأصواته وهذا بَيّنٌ) .
= وقال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في شرح لمع الأدلة للجويني (ص/ 71)، مخطوط ، ما نصه : ( وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني زورت في نفسي كلاما"
الطرف الثالث: إذا أطلق الكلام على المعنى القائم بالنفس وعلى الألفاظ الدالة عليه فهل هو حقيقة فيهما معًا أو حقيقة في اللفظ مجاز في القائم بالنفس أو بالعكس اختلفوا في ذلك، فنقل عن الشيخ أبي الحسن قولان أحدهما: إنه حقيقة في المعنى القائم بالنفس مجاز في العبارات من مجاز إطلاق الدليل على المدلول، والقول الثاني: إنه حقيقة فيهما لاستعماله فيهما جميعًا. والأصل في الإطلاق الحقيقة وصار غيره إلى أنه حقيقة في العبارات لتبادرها إلى الفهم عند الإطلاق وعدم القرائن، ومجاز في المعنى القائم بالنفس لخفائه ولا يبعد أن يكون حقيقة لغوية في المعنى القائم بالنفس، ومجازٍا في الألفاظ ) .
= ثم قال أيضا في شرح لمع الأدلة (ص/ 64- 65) ما نصه : ( الفرقة الثانية: وهم الكرّامية زعموا أن البارىء تعالى تقوم به الأقوال المركبة من الحروف والأصوات، قالوا: ولا يكون قابلاً بها وإنما هو قابل للقابلية، وفسروا القابلية بالقدرة على القول، وكذلك أثبتوا له مشيئة قديمةً وإراداتٍ حادثة تقوم به، قالوا: وإذا أراد الله تعالى إحداث محدَثٍ في الوجود خلق بذاته كافًا ونونًا وإرادة يوجِب بها ما هو خارج عن ذاته أخذًا من قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (سورة يس/82)، وما ذكروه من قيام الحوادث بذاته يلزم منه حدوثه، فإن كل ما قبل الحوادث لا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث حادث، وأما الآية فهي إشارة إلى سرعة وقوع المراد فعبر عن القصد إلى الإيقاع بالأمر، وعن الوقوع بصورة الامتثال ) .
قال البيهقي في الأسماء والصفات تعليقاً على حديث (( يحشر الله تعالى العباد عراة غرلا بُهْمًا ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان )) ما نصّه:
( وهذا حديث تفرد به القاسم بن عبدالواحد عن ابن عقيل؛ وابن عقيل, والقاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي لم يحتج بهما الشيخان أبو عبد الله البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، ولم يخرجا هذا الحديث في الصحيح بإسناده، وإنما أشار البخاري إليه في ترجمة الباب واختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم تثبت صفة الصوت في كلام الله عز وجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه ، وليس بنا ضرورة إلى إثباته. وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتا راجعا إلى غيره كما روينا عن عبدالله بن مسعود موقوفا ومرفوعا « إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجرالسلسلة على الصفا » . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان » . ففي هذين الحديثين الصحيحين دلالة على أنهم يسمعون عند الوحي صوتا لكن للسماء ،ولأجنحة الملائكة ، تعالى الله عن شبه المخلوقين علوا كبيرا . وأما الحديث الذيذكره البخاري عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقول الله : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، فينادي بصوت : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار » . فهذا لفظ تفرد به حفص بن غياث ، وخالفه وكيع وجرير وغيرهما من أصحاب الأعمش فلميذكروا فيه لفظ الصوت ، وقد سئل أحمد بن حنبل عن حفص ، فقال : كان يخلط في حديثه ،ثم إن كان حفظه ففيه ما دل على أن هذا القول لآدم يكون على لسان ملك يناديه بصوت : « إن الله تبارك وتعالى يأمرك » . فيكون قوله : « فينادي بصوت » . يعني والله أعلم : يناديه ملك بصوت . وهذا ظاهر في الخبر وبالله التوفيق ) اهـ كلام البيهقي رحمه الله.
وبعد هذه المقدمة من كلام البيهقي ندخل في الموضوع ...
الحديث الاول :
رواه الخطيب في الرحلة في طلب الحديث فقال : أنا ابو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل أنا ابو الحسن علي بن محمد بن احمد المصري نا مالك بن يحيى ، نا يزيد بن هارون ، نا همام بن يحيى ، عَنِ ابن عبد الواحد المكي وهو القاسم عَنْ عبد الله بن محمد بن عقيل ، عَنْ جابر بن عبد الله ، قَالَ : بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْهُ فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ رَحْلِي وَسِرْتُ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ عبد الله بن انيس فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ : قُلْ لَهُ : جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ فَأَتَاهُ فَقَالَ : جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَأَتَانِي فَقَالَ لِي : فَقُلْتُ : نَعَمْ فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ يَطَأُ ثَوْبَهُ حَتَّى لَقِيَنِي فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ فَقُلْتُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاصِ لَمْ أَسْمَعْهُ فَحَسِبْتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ أَوْ قَالَ النَّاسَ عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا قَالَ : قُلْنَا : مَا بُهْمًا ؟ قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ رَبُّهُمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةَ قُلْنَا : كَيْفَ ؟ وَإِنَّمَا نأَتِي اللَّهَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ : بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ "
قلت : وهذا الحديث لا يصح بهذا الاسناد ...
ففيه ابن عبد الواحد وهو : القاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي مولى ابن أبي عمرة ويقال : مولى ابن أبي عمرو القرشي المخزومي
قال عنه الحافظ في التقريب : مقبول
وفي الاسناد كذلك : عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو محمد المدني أمه زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب ، أبومحمد
قال ابو معمر القطيعي : كان ابن عيينة لا يحمد حفظه .
وقال يعقوب بن شيبة : ابن عقيل صدوق ، وفي حديثه ضعف شديد جدًّا .
قال يحيى بن معين : قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ابن عقيل لا يحتجبحديثه
وقال ايضا : قال معاوية بن صالح وأحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى : ضعيف الحديث .
وقال ايضا : قال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
وقال ايضا : قال المفضل بن غسان الغلابي عن يحيى بن معين : ابنعقيل وعاصم بن عبيد الله متشابهان في ضعف الحديث.
وقال ايضا : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين : هؤلاء الأربعة ليس حديثهم حجة : سهيل بن أبي صالح ، والعلاء بن عبد الرحمن ، وعاصمبن عبيد الله ، وابن عقيل . قيل : فمحمد بن عمرو ؟ قال : فوقهم .
وقال ايضا : قال سعيد بن نصير : قلت ليحيى بن معين : إن ابن عيينةكان يقول : أربعة من قريش ، يمسك عن حديثهم . قال : من هم ؟ قلت فلان ، وعلي بن زيد، ويزيد بن أبي زياد ، وابن عقيل وهو الرابع . فقال يحيى : نعم . قلت : فأيهم أعجبإليك ؟ قال : فلان ، ثم علي بن زيد ، ثم يزيد بن أبي زياد ، ثم ابن عقيل.
وقال ايضا : قال مسلم بن الحجاج : قلت ليحيى بن معين : عبد اللهبن محمد بن عقيل أحب إليك أو عاصم بن عبيد الله ؟ فقال : ما أحب واحدًا منهما ،يعنى : في الحديث .
وقال ابو حاتم الرازي : لين الحديث ، ليس بالقوي ، ولا بمن يحتج بحديثه ، يكتبحديثه ، وهو أحب إلي من تمام بن نجيح.
وقال النسائي : ضعيف .
وقال ابو بكر بن خزيمة : لا أحتج به لسوء حفظه .
وقال علي بن المديني : لم يرو عنه مالك بن أنس ، و لا يحيى بن سعيد القطان . قال يعقوب : و هذان ممن ينتقى الرجال
وقال ايضا : قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن علي بن المديني : كان ضعيفا .
وقال ايضا : قال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني : لم يُدخِلمالك في كتبه ابن عقيل ولا ابن أبي فروة
وقال احمد بن عدي : روى عنه جماعة من المعروفين الثقات ، و هو خير من ابنسمعان ، و يكتب حديثه
وقال عمرو بن علي : سمعت يحيى وعبد الرحمن جميعًا يحدثان عن عبد الله بنمحمد بن عقيل ، والناس يختلفون عليه.
وقال الحافظ في التقريب : صدوق في حديثه لين ، و يقال تغيربأخرة
وقال الترمذي : صدوق ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ، وسمعتمحمد بن إسماعيل يقول : كان أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، والحميدي يحتجونبحديث ابن عقيل . قال محمد بن إسماعيل : وهو مقارب الحديث .
وقال الجوزجاني : تُوُقِّف عنه ، عامة ما يرويه غريب .
وقال بشر بن عمر الزهراني : كان مالك لا يروي عنه
وقال العجلي : مدني تابعي ، جائز الحديث .
وقال احمد بن حنبل : ابن عقيل منكر الحديث
وقال الحاكم : كان أحمد بن حنبل و إسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه ،ليس بذاك المتين المعتمد .
وقال ابن عيينة : قال الحميدي عن سفيان : كان ابن عقيل في حفظه شيء ،فكرهت أن ألقه
وقال ايضا : قال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني : قال سفيان بنعيينة : رأيته يحدِّث نفسه ، فحملته على أنه قد تغير.
وقال يحيى القطان : قال صالح بن أحمد بن حنبل ، عن علي بنالمديني : ذكرنا عند يحيى بن سعيد ضعف عاصم بن عبيد الله ، فقال يحيى : هو عندي نحو ابن عقيل.
وقال ايضا : قال علي بن المديني : كان يحيى بن سعيدلا يروي عنه
وقال ابو زرعة : يختلف عنه في الأسانيد
وقال الذهبي في الكاشف : قال أبو حاتم و عدة : لين الحديث ، وقال ابن خزيمة : لا أحتج به
وقال محمد بن سعد : كان منكرالحديث ، لا يحتجون بحديثه ، وكان كثير العلم .
قلت : والجرح مقدم على التعديل اذا كان مفسراً كما هي القاعدة ...
وتجريح العلماء له من قبل حفظه مقدم على تعديل من عدله ...
وبهذا يتبين ضعف هذا الحديث ...
الحديث الثاني :
رواه البيهقي في الاسماء والصفات فقال : وَقَدْ أَخْبَرَنَا ابو عبد الله الحافظ ، أنا ابو العباس المحبوبي ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا يزيد بن هارون ، أنا همام بن يحيى ، عَنِ القاسم بن عبد الواحد ، عَنْ عبد الله بن محمد بن عقيل ، عَنْ جابر بن عبد الله ، عَنْ عبد الله بن انيس ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمَظَالِمِ قَالَ يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ ـ أَوْ قَالَ النَّاسَ ـ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ ) .
ثم قال البيهقي : وَهَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ ؛ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِمَا الشَّيْخَانِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيُّ ، وَلَمْ يُخْرِجَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ ، وَإِنَّمَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ ، وَلَمْ تَثْبُتْ صِفَةُ الصَّوْتِ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ حَدِيثِهِ ، وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهِ . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ فِيهِ إِنْ كَانَ ثَابِتًا رَاجِعًا إِلَى غَيْرِهِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : ( إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسَلَةِ عَلَى الصَّفَا ) .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانَ ) .
فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ عِنْدَ الْوَحْيِ صَوْتًا لَكِنْ لِلسَّمَاءِ ، وَلِأَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابي سعيد قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ اللَّهُ : يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ " .
فَهَذَا لَفْظٌ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، وَخَالَفَهُ وَكِيعٌ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ لَفْظَ الصَّوْتِ ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَفْصٍ ، فَقَالَ : كَانَ يُخْلِطُ فِي حَدِيثِهِ ، ثُمَّ إِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِآدَمَ يَكُونُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ يُنَادِيهِ بِصَوْتٍ : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ ) . فَيَكُونُ قَوْلُهُ : ( فَيُنَادِي بِصَوْتٍ ) . يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ : يُنَادِيهِ مَلَكٌ بِصَوْتٍ . وَهَذَا ظَاهَرٌ فِي الْخَبَرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "
قلت : وعلة الاسناد هي هي التي في الحديث الاول ، فلا داع للاعادة ...
الحديث الثالث :
ايضاً رواه البيهقي في الاسماء والصفات فقال : أَخْبَرَنَا ابو عبد الله الحافظ , أنا ابو العباس محمد بن احمد المحبوبي بِمَرْوَ ثنا سعيد بن مسعود , ثنا يزيد بن هارون , أنا همام بن يحيى , عَنِ القاسم بن عبد الواحد , عَنْ عبد الله بن محمد بن عقيل , عَنْ جابر بن عبد الله , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رجل مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاصِ لَمْ أَسْمَعْهُ , فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي ثُمَّ سِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ مِصْرَ فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قُلْ لَهُ : جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ يَطَأُ ثَوْبَهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ , فَقُلْتُ لَهُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ فِي الْقِصَاصِ فَخَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ , فَقَالَ عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ - أَوْ قَالَ النَّاسَ - عُرَاةً بُهْمًا " , قَالَ : قُلْنَا مَا بُهْمًا ؟ , قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ , ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَ كَلِمَةً أَرَادَ بِهَا نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَعِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ " قَالَ : قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ تَعَالَى غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ : " بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ " قَالَ : وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ "
قلت : وعلة الاسناد هي هي التي في الحديث الاول والثاني ، فلا داع للاعادة ...
الحديث الرابع :
رواه الحاكم في المستدرك برقم ( 3638 ) فقال : أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي حدثنا سعيد بن مسعود حدثنا يزيد بن هارون أنبأ همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص ولم أسمعه فابتعت بعيرا فشددت رحلي عليه ثم سرت شهرا حتى قدمت مصر فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال بن عبد الله قلت نعم فأتاه فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى خرج إليه فاعتنقني واعتنقته فقلت له حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمعه في القصاص فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الله العباد وقال الناس عراة غرلا بهما قال قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات قال وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) .
قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه !! ، ووافقه الذهبي !!
قلت : بل هو اشد ضعفاً من الحديث الاول والثاني والثالث التي مرت ...
وفي الاسناد هذا : محمد بن مسلمة الواسطي صاحب يزيد بن هارون
قال عنه الحافظ في اللسان : حديثه من عوالي الغيلانيات أتى بخبر باطل اتهم به .
وقال أبو القاسم اللالكائي : ضعيف .
وقال ابن عدي : سمعت عبد الحميد الوراق يقول قاطعنا محمد بن مسلمة على أجزاء فقرأنا عليه وفيه حديث طويل فقال ما أحسن هذاوالله إن سمعت به قط إلا الساعة ، وقال له رجل قل عن هشام بن عروة فقال بدرهمين صحاح.
وساق له ابن عدي أحاديث تستنكر .
وفي تاريخ الخطيب من طريق محمد بن حمدان حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي حدثنا يزيد أنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قال لما بلغت السماء السابعة لقيني ملك من نور فسلمت عليه فرد علي فأوحى الله إليه يسلم عليك صفيي فلم تقم له لتقومن فلا تقعد إلى يوم القيامة أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وقال رواته ثقات سوى ابن مسلمة .
قال الدارقطني : لا بأس به .
وقال الخطيب : في أحاديثه مناكير بأسانيد واضحة .
وقال في حديث ابن عباس مرفوعا لمابلغت السماء السابعة ...... فساق الحديث ، ثم قال الخطيب عقبه هذا باطل ورواته ثقات سوى ابن مسلمة ، ورأيت هبة الله الطبري يضعف ابن مسلمة ، وكذا سمعت أبا محمد الخلال يقول هو ضعيف جدا .
قلت : اذاً فابن مسلمة هذا هو وضاع اتهموه بالخبر الباطل الذي ذكره الحافظ !!
فكيف يقال عن هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ؟؟؟؟
وفي السند كذلك : القاسم بن عبد الواحد ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، انظر ترجمتهما في الحديث الاول ...
فائدة : وقد روى الحاكم هذا الحديث في مستدركه باسناد حسن من طريق آخر من غير هذه الزيادة المنكرة برقم ( 2995 ) فقال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد العنزي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا ثابت بن يزيد أبو زيد حدثنا هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تحشرون حفاة عراة غرلا فقالت زوجته أينظر بعضنا إلى عورة بعض فقال يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ...
فتأمل ...
وان شاء الله سنتكلم عن هذا الحديث - الذي بدون هذه الزيادة المنكره - بعد اكمال كلامنا عن هذه الروايات الباطلة ، لكي يعلم الجميع ان اصل هذا الحديث ليس فيه هذه الزيادة الباط
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف خلق الله اجمعين وعلى اله وصحبه الطيبين الطاهرين ..
وبعد ....
من مواضيع شيخنا اليافعي في الحوار
قال محمد اليافعي : هذا بيان في بعض اقوال اهل السنة والجماعة في مسالة الحرف الصوت ، فاقول وبالله التوفيق ومنه السداد :
= قال الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله : ( يوجد بين البشر من يرضى لنفسه أن يقول: ( إن القرآن كلام الله بحرف وصوت، ومع ذلك فهو غير مخلوق )!!
وفي هؤلاء يقول أبو بكر الباقلاني في ( النقص الكبير ):" من زعم أن السين من بسم الله بعد الباء، والميم بعد السين الواقعة بعد الباء لا أول له، فقد خرج عن المعقول وجحد الضرورة، وأنكر البديهة. فإن اعترف بوقوع شيء بعد شيء فقد اعترف بأوليته، فإذا ادعى أنه لا أول له فقد سقطت محاجته وتعين لحوقه بالسفسطة. وكيف يُرجى أن يرشد بالدليل من يتواقح في جحد الضرورى "اهـ [ راجع ( الشامل ) لإمام الحرمين، و ( نجم المهتدى ) لابن المعلم القرشي ].
وقال الحليمي في( شعب الإيمان ):" ومن زعم أن حركة شفتيه أو صوته أو كتابته بيده في الورقة هو عين كلام الله القائم بذاته، فقد زعم أن صفة الله قد حلت بذاته، ومست جوارحه، وسكنت قلبه، وأي فرق بين من يقول هذا وبين من يزعم من النصارى أن الكلمة اتحدت بعيسى عليه الصلاة والسلام؟! "اهـ.
وبعد إحاطة القارئ علماً بهذا وذاك، لينظر قول الموفق بن قدامة صاحب المغني ـ الذي يقول عنه ابن تيمية إنه ما حل دمشق مثله بعد الأوزاعي ـ في مناظرته مع بعض الأشاعرة في صدد نفي الكلام النفسي، المسجلة في المجموعة المحفوظة تحت رقم 116 بظاهرية دمشق: ( قال أهل الحق: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقالت المعتزلة هو مخلوق. ولم يكن اختلافهم إلا في هذا الموجود دون ما في نفس الباري مما لا ندري ما هو ولا نعرفه اهـ ). وله أيضاً: ( الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم )!! وفيه عجائب. فيكون اعترف في أول خطوة أن الحق بيد المعتزلة وهو لا يشعر. فإذا كان حال الموفق هكذا فماذا يكون حال من دونه؟! نسأل الله الصون. وقد أجاد الآلوسي المفسر الرد عليه وعلى إخوانه من نفاة الكلام النفسي في مقدمة تفسيره، فنستغني بذلك عن الإفاضة فيه هنا.
والواقع: أن القرآن في اللوح وفي لسان جبريل عليه السلام وفي لسان النبي صلى الله عليه وسلم وألسنة سائر التالين وقلوبهم وألواحهم مخلوق حادث محدَث ضرورة. ومن ينكر ذلك يكون مسفسطاً ساقطاً من مرتبة الخطاب؛ وإنما ( القديم ): هو المعنى القائم بالله سبحانه، بمعنى الكلام النفسي في علم الله جل شأنه في نظر أحمد بن حنبل وابن حزم؛ وقد صح عن أحمد قوله في المناظرة: ( القرآن في علم الله وعلم الله غير مخلوق )، أو بمعنى صفة الكلام القائمة بالله سبحانه كقيام صفات العلم والقدرة ونحوهما به جل شأنه على تقدير ثبوت إطلاق القرآن عليها.
فدلالة القرآن على المعنى القائم بالله بالاعتبار الأول دلالة اللفظ على مدلوله الوضعي، ويشمل وجوده العلمي اللفظ والمعنى في آن واحد؛ لأن كليهما في علم الله.
ودلالته على الصفة القائمة به سبحانه بالاعتبار الثاني تكون دلالة عقلية كما لا يخفى.
فقولهم: ( القرآن مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في قلوبنا، مقروء بألسنتنا، مسموع بآذاننا، من وصف المدلول باسم الدال مجازاً كما نص على ذلك السعد العلامة في شرح المقاصد، بل قال في شرح النسفية عند شرح قول النسفي: ( غير حال فيها ) : أي مع ذلك ليس حالاً في المصاحف ولا في القلوب والألسنة والآذان، بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى، يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه، ويحفظ بالنظم المخيل، ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال: النار جوهر محرق. يذكر باللفظ، ويكتب بالقلم، ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتاً وحرفاً "اهـ.
ثم توسع في بيان الوجودات في الأعيان والأذهان والعبارات والكتابات مما يعد من مبادئ معارف المشتغلين بهذا العلم.
وبهذا تتبين قيمة شهادة ابن تيمية في حق العلماء، وليس عنده سوى ألفاظ مرصوصة لا إفادة تحتها في بحوثه الشاذة كلها، وغير المفيد لا يعد كلاماً، ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث.
وقد أفاض الحافظ أبو الحسن المقدسي شيخ المنذري في رسالة خاصة في تبيين بطلان الروايات في ذلك زيادة على ما يوجبه الدليل العقلي القاضي بتنزيه الله عن حلول الحوادث فيه سبحانه، وإن أجاز ذلك الشيخ الحراني تبعاً لابن ملكا اليهودي الفيلسوف المتمسلم، حتى اجترأ على أن يزعم أن اللفظ حادث شخصاً، قديم نوعاً!! يعني: أن اللفظ صادر منه تعالى بالحرف والصوت فيكون حادثاً حتماً، لكن ما من لفظ إلا وقبله لفظ صدر منه إلى ما لا أول له فيكون قديماً بالنوع!! ويكون قدمه بهذا الاعتبار في نظر هذا المنحرف، تعالى الله عن إفك الأفاكين.
ولم يدر المسكين بطلان القول بحلول الحوادث في الله جل شأنه، وأن القول بحوادث لا أول لها هذيان؛ لأن الحركة انتقال من حالة إلى حالة، فهي تقتضي بحسب ماهيتها كونها مسبوقة بالغير، فوجب أن يكون الجمع بينهما محالاً. ولأنه لا وجود للنوع إلا في ضمن أفراده، فادعاء قدم النوع مع الاعتراف بحدوث الأفراد يكون ظاهر البطلان. وقد أجاد الرد عليه العلامة قاسم في كلامه على المسايرة.
وفتاوى أهل العلم في الرد على الصَّوتية مسرودة في تكملة الرد على نونية ابن القيم. راجع [ السيف الصقيل ( ص: 41 ـ 64 ) ].
ونص فتيا العز بن عبد السلام:" القرآن كلام الله صفة من صفاته، قديم بقدمه، ليس بحروف ولا أصوات، ومن زعم أن الوصف القديم هو عين أصوات القارئين، وكتابة الكاتبين، فقد ألحد في الدين، وخالف إجماع المسلمين، بل إجماع العقلاء من غير أهل الدين، ولا يحل للعلماء كتمان الحق، ولا ترك البدع سارية في المسلمين، ويجب على ولاة الأمر إعانة العلماء المنزهين الموحدين، وقمع المبتدعة المشبهين المجسمين. ومن زعم أن المعجزة قديمة فقد جهل حقيقتها، ولا يحل لولاة الأمور تمكين أمثال هؤلاء من إفساد عقائد المسلمين، ويجب عليهم أن يلزموهم بتصحيح عقائدهم بمباحثة العلماء المعتبرين، فإن لم يفعلوا ألجئوا إلى ذلك بالحبس والضرب والتعزير، والله أعلم. كتبه عبد العزيز بن عبد السلام "اهـ.
ووجوب صون المجتمع الإسلامي من إفساد مفسد لعقيدتهم سيما في مساجدهم أمر لا يخص بلداً ولا زمناً. ألهمنا الله رشدنا.
وتخيل حلول كلام الله في تلاوة التالي في كلام السالمية تخيل مبرسم.
وقد هفا ابن قتيبة هفوة باردة في كتابه ( الاختلاف في اللفظ ) في تفلسفه بشأن اللفظ المسموع، فرددنا عليه رداً واضحاً مكشوفاً، فلو علم أن أسماء الكتب من قبيل أعلام الأجناس، فيتناول اسم ( أدب الكاتب ) له مثلاً ما تخيله هو في ذهنه أو كتبه بيده أو أملاه على مستمليه من ألفاظه وعباراته وألفاظ سائر القراء لكتابه، لعلم أن القرآن يشمل ما في اللوح وما في لسان جبريل عليه السلام، ولسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألسنة سائر التالين، وأن الكل محدث مخلوق سوى ما قام بالله قياما علمياً أو قيام صفة كما سبق، فيكون تصور تلقي القرآن من الله بحرف وصوت من فيه زيغاً مبيناً.
وقد كذب من عزا إلى أحمد بن حنبل أنه قال: ( وكلم الله موسى تكليماً ): من فيه، وناوله التوراة من يده إلى يده؛ كما نقله عبد القادر بدران المسكين في كتابه ( المدخل ) إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رواية بطريق الاصطخري عنه ( ص: 30 )، وتلك الرواية موجودة أيضاً في ( طبقات الحنابلة ) للقاضي أبي الحسين بن أبي يَعْلى في ترجمة الاصطَخْري.
لكن المفروض أن يتورع مثل ابن بدران في مثل هذا العصر أن ينقل مثل ذلك بدون تزييفه.
وترى هكذا الأمر أخطر مما يتصور، ألهمنا الله السهر على معتقد جماعة المسلمين، وجنبنا مسايرة المبطلين. ) انظر مقالات الكوثري ( 57 - 61 )
= وقال العز بن عبد السلام ما نصه : ( فالله متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحرف ولا صوت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مدادا في اللوح والاوراق شكلا ترمقه العيون والأحداق كما زعم أهل الحشو والنفاق بل الكتابة من أفعال العباد ولا يتصور من أفعالهم أن تكون قديمة ويجب احترامها لدلالتها على كلامه كما يجب احترام أسمائه لدلالتها على ذاته}, إلى أن قال:{ فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد أو رسم من أشكال المداد ) انظر رسائله في التوحيد ( ص12 ) .
= وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله : ( وبذلك نشأ الخلاف بين فرق الأمة في مسألة الكلام, فصار فيها ثلاثة مذاهب:
الأول: مذهب المعتزلة و الماتريدية؛ وهو أن الله متكلم, ومعناه أن تلك الصفة يمتنع كونها مسموعة وأن المسموع حروف وأصوات مخلوقة, ويمكن أن نفرق بين مذهب المعتزلة والماتريدية, بأن الماتريدية أثبتت صفة نفسية, والمعتزلة لم تثبت ذلك فقالت هي صفة فعل لاصفة ذات.
الثاني: مذهب الأشاعرة وهو: أن الله متكلم, ومعناه:
أن الصفة النفسية المنزهة عن الحرف والصوت يمكن أن يسمعها الله من شاء من خلقه.
والثالث: مذهب الكرامية وجمهور الحنابلة القائلين بأن الله متكلم، ومعناه أن هذه الحروف والأصوات هي الكلام القديم النفسي القائم بذات الله تعالى, وهو قديم النوع حادث الأفراد, وأن هذه الحروف والأصوات غير مخلوقة, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
فأما القول الأول و الثاني فيمكن الأخذ بواحد منهما حسبما يترجح و يتبين لكل عالم من حيث الأدلة بعد إثبات صفة الكلام في الجملة و الله الموفق والهادي )انظر تفسيره ( 3 / 29 ـ 30 ) .
= وقال في موضع آخر : ( المسألة الرابعة: أجمعت الأمة على أن الله تعالى متكلم, ومن سوى الأشعري و أتباعه أطبقوا على أن كلام الله هو هذه الحروف المسموعة و الأصوات المؤلفة, وأما الأشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلام الله تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه الحروف والأصوات )
أما الفريق الأول: وهم الذين قالوا كلام الله تعالى هو هذه الحروف والكلمات فهم فريقان, ( أحدهما ) الحنابلة الذين قالوا بقدم هذه الحروف، وهؤلاء أخس من أن يذكروا في زمرة العقلاء, واتفق أني قلت يوماً لبعضهم: لو تكلم الله بهذه الحروف إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي، والأول باطل لأن التكلم بجملة هذه الحروف دفعة واحدة لايفيد هذا النظم المركب على هذا التعاقب والتوالي، فوجب أن لا يكون هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلام الله تعالى, والثاني: باطل لأنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة, ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلام قال: الواجب علينا أن نقر ونمر ) نفس المصدر ( 14 / 188 ) .
= ويقول العلامة الغنيمي الميداني الحنفي مانصه : ( وهو أي كلام الله الصفة الأزلية القائمة بذاته تعالى المنافية للسكوت والآفة وليس بحرف ولا صوت ليس بمخلوق ككلام البرية المؤلف من الحروف المشتمل على الأصوات, وقوله ليس بمخلوق خبر لقوله: إن القرآن, ولذا جعلت قوله كلام الله تفسيراً للقرآن, وإن كان الأقرب أن يكون هو الخبر لما نقل السعد في شرح العقائد عن الأشياخ أنه يقال: القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، ولا يقال: القرآن غير مخلوق لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف بين الأصوات و الحروف قديم, كما ذهب إليه الحنابلة جهلاً وعناداً ) انظر شرح العقيدة الطحاوية ( 68 )
= وقال الشيخ عبد الهادي أبو أصبع حفظه الله عند شرحه للبيت :
ونــزه القرآن أي كلامــه ***** عن الحدوث و أحذر انتقامه
قال الشيخ البيجوري في شرح هذا البيت:
(( أي اعتقد أيها المكلف تنزه القرآن بمعنى كلامه تعالى عن الحدوث خلافاً للمعتزلة القائلين بحدوث الكلام زعماً منهم أن من لوازمه الحروف والأصوات, وذلك مستحيل عليه تعالى, فكلام الله تعالى عندهم مخلوق, لأن الله تعالى خلقه في بعض الأجرام، ومذهب أهل السنة أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق, وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق, لكن يمتنع أن يقال القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق, ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن )). انظر كتابه الجوهر الفريد في علم التوحيد ( ص59 ـ 60 ) .
= وقال الامام ابو حنيفة النعمان في الفقه الأكبر والوصية : ( والقرءان كلام الله غير مخلوق ، ووحيه وتنزيله على رسول الله . وهو صفته على التحقيق . مكتوب في المصاحف ، مقروء بالألسنة ، محفوظ في الصدور غير حال فيها . والحبر والكاغَد والكتابة والقراءة مخلوقة لأنها أفعال العباد . فمن قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم ) .
= وقال في " الفقه الأبسط " : ( ويتكلم لا ككلامنا . نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله متكلم بِلا ءالة ولا حرف . فصفاته غير مخلوقة ولا محدثة ، والتغير والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين ومن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو توقف فيها أو شك فيها فهو كافر ) .
= وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله : ( وأنه حي مريد سميع بصير عليم قدير متكلم بكلام أزلي، ليس بحرف ولا وصت ولا يتصور في كلامه أن ينقلب مداداً في الألواح والأوراق شكلاً ترمقه العيون والأحداق، كما زعم أهل الحشو والنفاق، بل الكتابة من أفعال العباد، ولا يتصور في أفعالهم أن تكون قديمة، ويجب احترامها لدلالتها على ذاته كما يجب احترامها لدلالتها على صفاته، وحق لما دل عليه وانتسب إليه أن تعتقد عظمته وترعى حرمته ) انظر ايضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام .
= وقال ايضا : ( فويل لمن زعم أن كلام الله القديم شيء من ألفاظ العباد، أو رسم من أشكال المداد، وأحمد ابن حنبل وفضلاء أصحابه وسائر علماء السلف براء مما نسبوه إليهم واختلقوه عليهم، وكيف يظن بأحمد وغيره من العلماء أن يعتقدوا أن وصف الله تعالى قديم، وهذه الألفاظ والأشكال حادثة بضرورة العقل وصريح النقل ) المصدر السابق .
= وقال ايضا : ( والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت، ثم يزعم أنه في المصحف، وليس في المصحف إلا حرف مجرد لا صوت معه؛ إذ ليس فيه حرف متكون عن صوت، فإن الحرف اللفظي ليس هو الشكل الكتابي، وكذلك يدرك الحرف اللفظي بالآذان ولا يشاهد بالعيان، ويشاهد الشكل الكتابي بالعيان ولا يسمع بالآذان.
ومن توقف في ذلك لم يعد من العقلاء، فضلاً عن العلماء، فلا كثر الله من أهل البدع والأهواء، والإضلال والإغواء.
ومن قال: إن الوصف القديم حال في المصحف لزمه إذا احترق المصحف أن يقول: إن وصف الله القديم احترق !! سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
ومن شأن القديم أن لا يلحقه تغير ولا عدم، فإن ذلك منافٍ للقدم، فإن زعموا أن القرآن مكتوب في المصحف غير حال فيه، كما يقوله الأشعري رحمه الله، فلم يلعنون الأشعري ؟! ) المصدر السابق .
= وقال ايضا : ( ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته، لا يشبه كلام الخلق، كما لا تشبه ذاته ذات الخلق، ولا يتصور في صفاته أن تفارق ذاته، إذ لو فارقته لصار ناقصاً تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وهو مع ذلك مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، وصفة الله القديمة ليست بمداد الكاتبين ولا ألفاظ اللافظين، ومن اعتقد ذلك فقد فارق الدين، وخرج عن عقائد المسلمين، فلا يعتقد ذلك إلا جاهل غبي، وربنا المستعان على ما تصفون. ) المصدر السابق .
وهذه الرسالة ( ايضاح الكلام فيما جرى للعز بن عبد السلام ) القيمة تجدها على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/view...622&highlight=
= وقال الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي _ رحمه الله _: ( فإن قيل : ( كن ) كاف ونون ، ودليل الحدوث فيهما بيِّن لكونهما أحرفاً؛ فإن الأحرف لا تخرج إلاَّ من مخارج: فالميم مخرجها من الشفتين وانطباق عضو على عضو، والحاء: مخرجها من الحلق، وكذلك سائر الحروف؟! فإذا كانت الحروف لا تخرج إلاّ من مخارج, والربّ عز وجل منزّه عن ذلك؛ لأنه ليس ذا ألفاظ ومخارج يتقدم بعضها على بعض: فإنه في حال ما يتكلم بالكاف النون معدومة، وفي حال ما يوجد النون ويتكلم بها الكاف معدومة! وما هذه صفته: لا يكون إلاّ مخلوقاً. ولأن هذه الكاف والنون نشاهدهما في مصاحفنا أجساماًً مخلوقة، فتارة تكون بالحبر، وتارة تكون بالازورد، وتارة تنقش بالجص والآجر على المساجد وغيرها، فإذا قلنا بقدمها ونحن لا نشاهد إلاّ هذه الأجسام والألوان المخلوقةِ فقد قلنا بقدم العالم؛ لأن القديم لا يحل في المحدث، ولأن القول بهذا يؤدي إلى القول بما يعتقده النصارى؛ لأنهم يقولون: إن كلمة الله القديمة حلّت في عيسى فصار عيسى قديماً أزلياً! بل يكون هذا القول أعظم قولاً من النصارى؛ لأنهم لم يقولوا إلا بقدم عيسى! والقائل " بأن الكاف والنون قديمة " يقول بقدم أكثر المخلوقات، وإذا ثبت أن هذا الكاف والنون وجميع الحروف مخلوقة، لمشاهدتنا لها في دار الدنيا؛ لأنها لو كانت قديمة لما فارقت الموصوف، لأن الصفة لا تفارق الموصوف؛ لأنها إذا فارقته يكون موصوفاً بضدها، بطل ما ادعيتموه من القدم؟! ) .
وتجد كلامه كاملا على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/viewtopic.php?t=922
= وقال الامام الغزالي رحمه الله : ( وأنه تعالى متكلم آمر ناه ، واعد متوعد بكلام أزلي قديم قائم بذاته ، لا يشبه كلام الخلق ، فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك أجرام ، ولا بحرف ينقطع بإطباق شفة أو تحريك لسان ، وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنـزلة على رسله عليهم السلام ، وأن القرآن مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، وأنه مع ذلك قديم ، قائم بذات اللّه تعالى ، لا يقبل الانفصال والافتراق ، بالانتقال إلى القلوب والأوراق ، وأن موسى صلى اللّه عليه وسلم سمع كلام اللّه بغير صوت ولا حرف ، كما يرى الأبرار ذات اللّه تعالى في الآخرة من غير جوهر ولا عرض ........... ) انظر عقيدة اهل السنة والجماعة لحجة الاسلام الغزالي ، وتجدها على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/viewtopic.php?t=835
= وقال العلامة احمد البرزنجي المدني( قيوم باق (ذاته) مخالفة لجميع الذوات (وصفاته) الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، ومن كلامه القرآن العظيم المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور المقروء بالألسنة ) . انظر رسالة في التوحيد للعلامة احمد البرزنجي المدني، وتجدها على هذا الرابط :
http://www.al7ewar.net/phpBB204/viewtopic.php?t=816
= قال الشيباني في شرح الطحاوية ما نصه : ( والحرف والصوت مخلوق، خلق الله تعالى ليحصل به التفاهم والتخاطب لحاجة العباد إلى ذلك أي الحروف والأصوات، والبارىء سبحانه وتعالى وكلامه مستغن عن ذلك أي عن الحروف والأصوات، وهو معنى قوله: "ومن وصف الله تعالى بمعنى من معاني البشر فقد كفر ) . انظر شرح الطحاوية (ص/ 14)، مخطوط.
وأما أحاديث الصوت فليس فيها ما يحتج به في العقائد، وقد ورد حديث مختلف في بعض رواته وهو عبد الله بن محمد بن عقيل - وراجع ترجمته في: الضعفاء الكبير (2/ 298)، الكامل (4/ 1446)، المجروحين (2/ 3)، سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (ص/ 88)، أحرال الرّجال (ص/ 138)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 140)، الجرح والتعديل (5/ 153)،0 المغني (1/ 354)، تهذيب التهذيب (6/ 13)، الكاشف (2/113)، ميزان الاعتدال (3/ 484)، التاريخ الكبير (5/ 183) - ، روى حديثه البخاري - في الأدب المفرد عن ابن عقيل باب المعانقة، وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيدفي باب قول الله تعالى: (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) الآية ذكره تعليقًا بغير إسناد - بصيغة التمريض، قال: ويُذكر، وفيه : ( فينادى بصوت فيسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ ، أنا الملك أنا الديّان ) ، وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض من أجل راويه هذا، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بثرح صحيح البخاري (1/ 174- 175) مانصه : ( ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأنّ الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف- فيها ولو اعتضدت ) .
أي لا يكفي ذلك في مسائل الاعتقاد وإن كان البخاري ذكر أوله في كتاب العلم - أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم - بصيغة الجزم لأنه ليس - فيه ذكر الصوت، إنما فيه ذكر رحيل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أُتَيْس من المدينة إلى مصر.
= والحديث الآخر أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم) : ( يقول الله يوم القيامة : ياءادم، فيقول: لبيّك وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار ) هذا اللفظ رواه رواة البخاري على وجهين، بعضهم رواه بكسر الدال وبعضهم رواه بفتح الدال.
= وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 460) مانصه : ( ووقع فينادي مضبوطًا للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور، فإن قرينة قوله: إن الله يأمرك، تدل ظاهرًا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك ) ..
وهذا الحديث رواه البخاري موصولاً مسندًا، لكنه ليس صريحًا في إثبات الصوت صفة لله فلا حجة فيه لذلك للصوتية.
= وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (458/13) مانصه : ( قال البيهقي : اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي غير حديثه، فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره في حديث ابن مسعود وفي حديث أبي هريرة أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا، فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة، وأشار- يعني البيهقي- في موضعءاخر إلى أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بصوت ) .
= وقال الكوثري في مقالاته (ص/ 33 ) ما نصه: ( ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث ) . وكذا قال البيهقي في الأسماء والصفات (ص/ 273).
= وقد ذكر الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي في كتابه نجم المهتدي ورجم المعتدي أثناء ترجمة الحافظ ناصر السنة أبي الحسن علي ابن أبي المكارم المقدسي المالكي ما نصه نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/ 249)، مخطوط : ( كان صحيح الاعتقاد مخالفا للطائفة التي تزعم أنها أثرية، صنف كتابه المعروف بكتاب الأصوات أظهر فيه تضعيف رواة أحاديث الأصوات وأوهاهم، وحكى الشيخ تقي الدين شرف الحفاظ عن والده مجد الدين قال بأنه بلغ رتبة المجتهدين )
= وقال القرطبي في التذكرة (ص/ 338- 339) ما نصه : ( فصل: قوله في الحديث: "فيناديهم بصوت": استدل به من قال بالحرف والصوت وأن الله يتكلم بذلك، تعالى عما يقول المجسمون والجاحدون علوًا كبيرًا، إنما يُحمل النداء المضاف إلى الله تعالى على نداء بعض الملائكة المقربين بإذن الله تعالى وأمره، ومثل ذلك سائغ في الكلام غير مستنكر أن يقول القائل: نادى الأمير، وبلغني نداء الأمير، كما قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَونُ فِي قَوْمِهِ) (سورة الزخرف/51)، وإنما المراد نادى المنادي عن أمره، وأصدر نداءه عن إذنه، وهو كقولهم أيضًا قتل الأمير فلانًا، وضرب فلانًا، وليس المراد توليَه لهذه الأفعال وتصديَهُ لهذه الأعمال، ولكن المقصود صدورها عن أمره. وقد ورد في صحيح الأحاديث أن الملائكة ينادون على رؤوس الأشهاد فيخاطبون أهل التقى والرشاد: ألا إن فلان ابن فلان كما تقدم.
ومثله ما جاء في حديث النزول مفسرًا فيما أخرجه النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبي سعيد قالا: قال رسول الله: " إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديًا. يقول: هل من داع يستجاب له، هل من مستغفريغفرله، هل من سائل يعطى صححه أبو محمد عبد الحق، وكل حديث اشتمل على ذكر الصوت أو النداء فهذا التأويل فيه، وأن ذلك من باب حذف المضاف، والدليل على ذلك ما ثبت من قِدَم كلام الله تعالى على ما هو مذكور في كتب الديانات.
فإن قال بعض الأغبياء: لا وجه لحمل الحديث على نا ذكرتموه فإن فيه: "أنا الديّان"، وليس يصدر هذا الكلام حقًّا وصدقًا إلا من رب العالمين؟ قيل له: إن الملَكَ إذا كان يقول عن الله تعالى ويُنْبِىءُ عنه فالحكم يرجع إلى الله رب العالمين، والدليل عليه أن الواحد منا إذا تلا قول الله تعالى: (إنًّنِي أَنَا الله) (سورة طه/14)، فليس يرجع إلى القارىء وإنما القارىء ذاكر لكلام الله تعالى ودالُّ عليه بأصواته وهذا بَيّنٌ) .
= وقال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في شرح لمع الأدلة للجويني (ص/ 71)، مخطوط ، ما نصه : ( وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني زورت في نفسي كلاما"
الطرف الثالث: إذا أطلق الكلام على المعنى القائم بالنفس وعلى الألفاظ الدالة عليه فهل هو حقيقة فيهما معًا أو حقيقة في اللفظ مجاز في القائم بالنفس أو بالعكس اختلفوا في ذلك، فنقل عن الشيخ أبي الحسن قولان أحدهما: إنه حقيقة في المعنى القائم بالنفس مجاز في العبارات من مجاز إطلاق الدليل على المدلول، والقول الثاني: إنه حقيقة فيهما لاستعماله فيهما جميعًا. والأصل في الإطلاق الحقيقة وصار غيره إلى أنه حقيقة في العبارات لتبادرها إلى الفهم عند الإطلاق وعدم القرائن، ومجاز في المعنى القائم بالنفس لخفائه ولا يبعد أن يكون حقيقة لغوية في المعنى القائم بالنفس، ومجازٍا في الألفاظ ) .
= ثم قال أيضا في شرح لمع الأدلة (ص/ 64- 65) ما نصه : ( الفرقة الثانية: وهم الكرّامية زعموا أن البارىء تعالى تقوم به الأقوال المركبة من الحروف والأصوات، قالوا: ولا يكون قابلاً بها وإنما هو قابل للقابلية، وفسروا القابلية بالقدرة على القول، وكذلك أثبتوا له مشيئة قديمةً وإراداتٍ حادثة تقوم به، قالوا: وإذا أراد الله تعالى إحداث محدَثٍ في الوجود خلق بذاته كافًا ونونًا وإرادة يوجِب بها ما هو خارج عن ذاته أخذًا من قوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (سورة يس/82)، وما ذكروه من قيام الحوادث بذاته يلزم منه حدوثه، فإن كل ما قبل الحوادث لا يخلو عنها وما لا يخلو عن الحوادث حادث، وأما الآية فهي إشارة إلى سرعة وقوع المراد فعبر عن القصد إلى الإيقاع بالأمر، وعن الوقوع بصورة الامتثال ) .
قال البيهقي في الأسماء والصفات تعليقاً على حديث (( يحشر الله تعالى العباد عراة غرلا بُهْمًا ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان )) ما نصّه:
( وهذا حديث تفرد به القاسم بن عبدالواحد عن ابن عقيل؛ وابن عقيل, والقاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي لم يحتج بهما الشيخان أبو عبد الله البخاري وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، ولم يخرجا هذا الحديث في الصحيح بإسناده، وإنما أشار البخاري إليه في ترجمة الباب واختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم تثبت صفة الصوت في كلام الله عز وجل أو في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديثه ، وليس بنا ضرورة إلى إثباته. وقد يجوز أن يكون الصوت فيه إن كان ثابتا راجعا إلى غيره كما روينا عن عبدالله بن مسعود موقوفا ومرفوعا « إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجرالسلسلة على الصفا » . وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان » . ففي هذين الحديثين الصحيحين دلالة على أنهم يسمعون عند الوحي صوتا لكن للسماء ،ولأجنحة الملائكة ، تعالى الله عن شبه المخلوقين علوا كبيرا . وأما الحديث الذيذكره البخاري عن عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقول الله : يا آدم ، فيقول : لبيك وسعديك ، فينادي بصوت : إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار » . فهذا لفظ تفرد به حفص بن غياث ، وخالفه وكيع وجرير وغيرهما من أصحاب الأعمش فلميذكروا فيه لفظ الصوت ، وقد سئل أحمد بن حنبل عن حفص ، فقال : كان يخلط في حديثه ،ثم إن كان حفظه ففيه ما دل على أن هذا القول لآدم يكون على لسان ملك يناديه بصوت : « إن الله تبارك وتعالى يأمرك » . فيكون قوله : « فينادي بصوت » . يعني والله أعلم : يناديه ملك بصوت . وهذا ظاهر في الخبر وبالله التوفيق ) اهـ كلام البيهقي رحمه الله.
وبعد هذه المقدمة من كلام البيهقي ندخل في الموضوع ...
الحديث الاول :
رواه الخطيب في الرحلة في طلب الحديث فقال : أنا ابو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران المعدل أنا ابو الحسن علي بن محمد بن احمد المصري نا مالك بن يحيى ، نا يزيد بن هارون ، نا همام بن يحيى ، عَنِ ابن عبد الواحد المكي وهو القاسم عَنْ عبد الله بن محمد بن عقيل ، عَنْ جابر بن عبد الله ، قَالَ : بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْهُ فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ رَحْلِي وَسِرْتُ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ عبد الله بن انيس فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ : قُلْ لَهُ : جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ فَأَتَاهُ فَقَالَ : جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ؟ فَأَتَانِي فَقَالَ لِي : فَقُلْتُ : نَعَمْ فَرَجَعَ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ يَطَأُ ثَوْبَهُ حَتَّى لَقِيَنِي فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ فَقُلْتُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاصِ لَمْ أَسْمَعْهُ فَحَسِبْتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ أَوْ قَالَ النَّاسَ عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا قَالَ : قُلْنَا : مَا بُهْمًا ؟ قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ رَبُّهُمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةَ قُلْنَا : كَيْفَ ؟ وَإِنَّمَا نأَتِي اللَّهَ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا قَالَ : بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ "
قلت : وهذا الحديث لا يصح بهذا الاسناد ...
ففيه ابن عبد الواحد وهو : القاسم بن عبد الواحد بن أيمن المكي مولى ابن أبي عمرة ويقال : مولى ابن أبي عمرو القرشي المخزومي
قال عنه الحافظ في التقريب : مقبول
وفي الاسناد كذلك : عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو محمد المدني أمه زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب ، أبومحمد
قال ابو معمر القطيعي : كان ابن عيينة لا يحمد حفظه .
وقال يعقوب بن شيبة : ابن عقيل صدوق ، وفي حديثه ضعف شديد جدًّا .
قال يحيى بن معين : قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ابن عقيل لا يحتجبحديثه
وقال ايضا : قال معاوية بن صالح وأحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى : ضعيف الحديث .
وقال ايضا : قال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
وقال ايضا : قال المفضل بن غسان الغلابي عن يحيى بن معين : ابنعقيل وعاصم بن عبيد الله متشابهان في ضعف الحديث.
وقال ايضا : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين : هؤلاء الأربعة ليس حديثهم حجة : سهيل بن أبي صالح ، والعلاء بن عبد الرحمن ، وعاصمبن عبيد الله ، وابن عقيل . قيل : فمحمد بن عمرو ؟ قال : فوقهم .
وقال ايضا : قال سعيد بن نصير : قلت ليحيى بن معين : إن ابن عيينةكان يقول : أربعة من قريش ، يمسك عن حديثهم . قال : من هم ؟ قلت فلان ، وعلي بن زيد، ويزيد بن أبي زياد ، وابن عقيل وهو الرابع . فقال يحيى : نعم . قلت : فأيهم أعجبإليك ؟ قال : فلان ، ثم علي بن زيد ، ثم يزيد بن أبي زياد ، ثم ابن عقيل.
وقال ايضا : قال مسلم بن الحجاج : قلت ليحيى بن معين : عبد اللهبن محمد بن عقيل أحب إليك أو عاصم بن عبيد الله ؟ فقال : ما أحب واحدًا منهما ،يعنى : في الحديث .
وقال ابو حاتم الرازي : لين الحديث ، ليس بالقوي ، ولا بمن يحتج بحديثه ، يكتبحديثه ، وهو أحب إلي من تمام بن نجيح.
وقال النسائي : ضعيف .
وقال ابو بكر بن خزيمة : لا أحتج به لسوء حفظه .
وقال علي بن المديني : لم يرو عنه مالك بن أنس ، و لا يحيى بن سعيد القطان . قال يعقوب : و هذان ممن ينتقى الرجال
وقال ايضا : قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن علي بن المديني : كان ضعيفا .
وقال ايضا : قال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني : لم يُدخِلمالك في كتبه ابن عقيل ولا ابن أبي فروة
وقال احمد بن عدي : روى عنه جماعة من المعروفين الثقات ، و هو خير من ابنسمعان ، و يكتب حديثه
وقال عمرو بن علي : سمعت يحيى وعبد الرحمن جميعًا يحدثان عن عبد الله بنمحمد بن عقيل ، والناس يختلفون عليه.
وقال الحافظ في التقريب : صدوق في حديثه لين ، و يقال تغيربأخرة
وقال الترمذي : صدوق ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ، وسمعتمحمد بن إسماعيل يقول : كان أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن إبراهيم ، والحميدي يحتجونبحديث ابن عقيل . قال محمد بن إسماعيل : وهو مقارب الحديث .
وقال الجوزجاني : تُوُقِّف عنه ، عامة ما يرويه غريب .
وقال بشر بن عمر الزهراني : كان مالك لا يروي عنه
وقال العجلي : مدني تابعي ، جائز الحديث .
وقال احمد بن حنبل : ابن عقيل منكر الحديث
وقال الحاكم : كان أحمد بن حنبل و إسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه ،ليس بذاك المتين المعتمد .
وقال ابن عيينة : قال الحميدي عن سفيان : كان ابن عقيل في حفظه شيء ،فكرهت أن ألقه
وقال ايضا : قال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني : قال سفيان بنعيينة : رأيته يحدِّث نفسه ، فحملته على أنه قد تغير.
وقال يحيى القطان : قال صالح بن أحمد بن حنبل ، عن علي بنالمديني : ذكرنا عند يحيى بن سعيد ضعف عاصم بن عبيد الله ، فقال يحيى : هو عندي نحو ابن عقيل.
وقال ايضا : قال علي بن المديني : كان يحيى بن سعيدلا يروي عنه
وقال ابو زرعة : يختلف عنه في الأسانيد
وقال الذهبي في الكاشف : قال أبو حاتم و عدة : لين الحديث ، وقال ابن خزيمة : لا أحتج به
وقال محمد بن سعد : كان منكرالحديث ، لا يحتجون بحديثه ، وكان كثير العلم .
قلت : والجرح مقدم على التعديل اذا كان مفسراً كما هي القاعدة ...
وتجريح العلماء له من قبل حفظه مقدم على تعديل من عدله ...
وبهذا يتبين ضعف هذا الحديث ...
الحديث الثاني :
رواه البيهقي في الاسماء والصفات فقال : وَقَدْ أَخْبَرَنَا ابو عبد الله الحافظ ، أنا ابو العباس المحبوبي ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا يزيد بن هارون ، أنا همام بن يحيى ، عَنِ القاسم بن عبد الواحد ، عَنْ عبد الله بن محمد بن عقيل ، عَنْ جابر بن عبد الله ، عَنْ عبد الله بن انيس ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمَظَالِمِ قَالَ يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ ـ أَوْ قَالَ النَّاسَ ـ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ ) .
ثم قال البيهقي : وَهَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ ؛ وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِمَا الشَّيْخَانِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ النَّيْسَابُورِيُّ ، وَلَمْ يُخْرِجَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحِ بِإِسْنَادِهِ ، وَإِنَّمَا أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَاخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ ، وَلَمْ تَثْبُتْ صِفَةُ الصَّوْتِ فِي كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ حَدِيثِهِ ، وَلَيْسَ بِنَا ضَرُورَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهِ . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ فِيهِ إِنْ كَانَ ثَابِتًا رَاجِعًا إِلَى غَيْرِهِ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : ( إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسَلَةِ عَلَى الصَّفَا ) .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانَ ) .
فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ عِنْدَ الْوَحْيِ صَوْتًا لَكِنْ لِلسَّمَاءِ ، وَلِأَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابي سعيد قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ اللَّهُ : يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ " .
فَهَذَا لَفْظٌ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، وَخَالَفَهُ وَكِيعٌ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ لَفْظَ الصَّوْتِ ، وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَفْصٍ ، فَقَالَ : كَانَ يُخْلِطُ فِي حَدِيثِهِ ، ثُمَّ إِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِآدَمَ يَكُونُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ يُنَادِيهِ بِصَوْتٍ : ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَأْمُرُكَ ) . فَيَكُونُ قَوْلُهُ : ( فَيُنَادِي بِصَوْتٍ ) . يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ : يُنَادِيهِ مَلَكٌ بِصَوْتٍ . وَهَذَا ظَاهَرٌ فِي الْخَبَرِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ "
قلت : وعلة الاسناد هي هي التي في الحديث الاول ، فلا داع للاعادة ...
الحديث الثالث :
ايضاً رواه البيهقي في الاسماء والصفات فقال : أَخْبَرَنَا ابو عبد الله الحافظ , أنا ابو العباس محمد بن احمد المحبوبي بِمَرْوَ ثنا سعيد بن مسعود , ثنا يزيد بن هارون , أنا همام بن يحيى , عَنِ القاسم بن عبد الواحد , عَنْ عبد الله بن محمد بن عقيل , عَنْ جابر بن عبد الله , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رجل مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاصِ لَمْ أَسْمَعْهُ , فَابْتَعْتُ بَعِيرًا فَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي ثُمَّ سِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ مِصْرَ فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قُلْ لَهُ : جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ فَقَالَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَامَ يَطَأُ ثَوْبَهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيَّ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ , فَقُلْتُ لَهُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ فِي الْقِصَاصِ فَخَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ , فَقَالَ عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَحْشُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ - أَوْ قَالَ النَّاسَ - عُرَاةً بُهْمًا " , قَالَ : قُلْنَا مَا بُهْمًا ؟ , قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ , ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَ كَلِمَةً أَرَادَ بِهَا نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَعِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ " قَالَ : قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ تَعَالَى غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ : " بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ " قَالَ : وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ "
قلت : وعلة الاسناد هي هي التي في الحديث الاول والثاني ، فلا داع للاعادة ...
الحديث الرابع :
رواه الحاكم في المستدرك برقم ( 3638 ) فقال : أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي حدثنا سعيد بن مسعود حدثنا يزيد بن هارون أنبأ همام بن يحيى عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما قال بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص ولم أسمعه فابتعت بعيرا فشددت رحلي عليه ثم سرت شهرا حتى قدمت مصر فأتيت عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال بن عبد الله قلت نعم فأتاه فأخبره فقام يطأ ثوبه حتى خرج إليه فاعتنقني واعتنقته فقلت له حديث بلغني عنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسمعه في القصاص فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه فقال عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يحشر الله العباد وقال الناس عراة غرلا بهما قال قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف ذا وإنما نأتي الله غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات قال وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) .
قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه !! ، ووافقه الذهبي !!
قلت : بل هو اشد ضعفاً من الحديث الاول والثاني والثالث التي مرت ...
وفي الاسناد هذا : محمد بن مسلمة الواسطي صاحب يزيد بن هارون
قال عنه الحافظ في اللسان : حديثه من عوالي الغيلانيات أتى بخبر باطل اتهم به .
وقال أبو القاسم اللالكائي : ضعيف .
وقال ابن عدي : سمعت عبد الحميد الوراق يقول قاطعنا محمد بن مسلمة على أجزاء فقرأنا عليه وفيه حديث طويل فقال ما أحسن هذاوالله إن سمعت به قط إلا الساعة ، وقال له رجل قل عن هشام بن عروة فقال بدرهمين صحاح.
وساق له ابن عدي أحاديث تستنكر .
وفي تاريخ الخطيب من طريق محمد بن حمدان حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي حدثنا يزيد أنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا قال لما بلغت السماء السابعة لقيني ملك من نور فسلمت عليه فرد علي فأوحى الله إليه يسلم عليك صفيي فلم تقم له لتقومن فلا تقعد إلى يوم القيامة أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وقال رواته ثقات سوى ابن مسلمة .
قال الدارقطني : لا بأس به .
وقال الخطيب : في أحاديثه مناكير بأسانيد واضحة .
وقال في حديث ابن عباس مرفوعا لمابلغت السماء السابعة ...... فساق الحديث ، ثم قال الخطيب عقبه هذا باطل ورواته ثقات سوى ابن مسلمة ، ورأيت هبة الله الطبري يضعف ابن مسلمة ، وكذا سمعت أبا محمد الخلال يقول هو ضعيف جدا .
قلت : اذاً فابن مسلمة هذا هو وضاع اتهموه بالخبر الباطل الذي ذكره الحافظ !!
فكيف يقال عن هذا الحديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه ؟؟؟؟
وفي السند كذلك : القاسم بن عبد الواحد ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، انظر ترجمتهما في الحديث الاول ...
فائدة : وقد روى الحاكم هذا الحديث في مستدركه باسناد حسن من طريق آخر من غير هذه الزيادة المنكرة برقم ( 2995 ) فقال : أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد العنزي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا ثابت بن يزيد أبو زيد حدثنا هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تحشرون حفاة عراة غرلا فقالت زوجته أينظر بعضنا إلى عورة بعض فقال يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ...
فتأمل ...
وان شاء الله سنتكلم عن هذا الحديث - الذي بدون هذه الزيادة المنكره - بعد اكمال كلامنا عن هذه الروايات الباطلة ، لكي يعلم الجميع ان اصل هذا الحديث ليس فيه هذه الزيادة الباط
الموثق- مشرف
- عدد الرسائل : 258
تاريخ التسجيل : 07/12/2008
مواضيع مماثلة
» من هم ((أهل السنة والجماعة)) ؟؟
» كلام العلماء من اهل السنة والجماعة في المجسمة ..
» لم يكن الإمام القرطبي مجسماً بل كان على عقيدة أهل السنة والجماعة الأشاعرة
» الداعية الإسلامي الشهير الصومالي الشيخ عبد الرزاق يوسف آدم إمام أهل السنة والجماعة في الصومال سابقا
» قول علماء أهل السنة فيمن يرى بأن التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته نوع من أنواع الشرك؟
» كلام العلماء من اهل السنة والجماعة في المجسمة ..
» لم يكن الإمام القرطبي مجسماً بل كان على عقيدة أهل السنة والجماعة الأشاعرة
» الداعية الإسلامي الشهير الصومالي الشيخ عبد الرزاق يوسف آدم إمام أهل السنة والجماعة في الصومال سابقا
» قول علماء أهل السنة فيمن يرى بأن التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته نوع من أنواع الشرك؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى