القرن الإفريقي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مبادئ التصوف ونشأته واصطلاحاته ..

اذهب الى الأسفل

مبادئ التصوف ونشأته واصطلاحاته .. Empty مبادئ التصوف ونشأته واصطلاحاته ..

مُساهمة من طرف ابن عباس القادري الأحد ديسمبر 12, 2010 3:20 am



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد فإنَّ هذا الموضوع جزءٌ من بحث كتبته عن التصوف ، أردت أن أكتبه من خلال منتدى الصوفية
مبادئ التصوف ونشأته واصطلاحاته
مبادئ التصوف وتحته خمسة مباحث : المبحث الأول : الاسم والحد
المبحث الثاني :الموضوع والواضع
المبحث الثالث : الاستمداد والحكم
المبحث الرابع : المسائل والفضل
المبحث الخامس : النسبة والفائدة


المبحث الأول : الاسم والحد وتحته مطلبان : المطلب الأول : الاسم
المطلب الثاني : الحد
مبادئ علم التصوف [1]
مبادئ التصوف هي : حد التصوف وموضوعه وواضعه واسمه واستمداده وحكم الشارع فيه وتصور مسائله وفضيلته ونسبته وثمرته.
المطلب الأول : اسم هذا العلم
اسم هذا العلم :
اسم هذا العلم هو التصوف واختلف في اشتقاقه على أقوال كثيرة ومرجعها إلى خمس:
أولها: أنه من الصوفة لأنه مع الله كالصوفة المطروحة لا تدبير له.
الثاني : من صوفة القفا للينها فالصوفي هين لين.
الثالث : أنه من الصفة إذ جملته اتصاف بالمحامد وترك الأوصاف المذمومة. الرابع : أنه من الصفاء وصحح هذا القول.
الخامس : أنه منقول من صُفة المسجد النبوي الذي كان منزلاً لأهل الصفة لأنَّ الصوفي تابع لهم فيما أثبت الله لهم من الوصف ، حيث قال: ({وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)[2] وهو الأصل الذي يرجع إليه كل قول فيه.
المطلب الثاني حد التصوف
المسألة الأولى: التصوف لغة :[3]
وقد تعددت أقوال العلماء والباحثين في مصدر هذا المصطلح ونسبته ، فمنهم من جعل أصله ( ص ف و ) ليكون مشتقاً من ( الصفاء ) ومنهم من جعله ( ص ف ) ليكون مشتقاً من ( الصف ) أو الصفة ، ومنهم من جعله ( ص و ف ) ليكون مشتقا من الصوف ، أو صوفة القفا ، أو صوفة بن بشر بن أد بن طابخة ، أو من الصوفانة وهي خامة من نبت الصحراء .
وقرر الإمام القشيري[4] في رسالته أنَّ لفظة الصوفية لا يشهد لها من حيث العربية قياس ولا اشتقاق فقال وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب ، فأمَّا قول من قال أنَّه من الصوف ، وتصوَّف إذا لبس الصوف ، كم يقال تقمَّص إذا لبس القميص، فذلك وجه ، ولكن القوم لم يختصوا باسم الصوف ...).
ولكن الإمام الطوسي[5] قرر أنَّه مشتق من الصوف ، وكأنَّ القشيري لم يأخذ بهذا القول أو لم يبلغه.
قلت :والراجح عندي اشتقاق لفظ الصوفية من الصوف كما ذهب إلى ذلك الإمام الطوسي حيث قال : (... نسبتهم إلى ظاهر اللبسة ، لأنًّ لبسة الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام ، وشعائر الأولياء والأصفياء ،فلما أضفتهم إلى ظاهر اللبسة كان ذلك أسماً مجملاً عاماً مخبراً عن جميع الأعمال والأخلاق والأحوال الشريفة المحمودة ، ألا ترى أنَّ الله تعالى ذكر طائفةً من خواص أصحاب عيسى عليه السلام فنسبهم إلى ظاهر اللبسة فقال عزَّ وجل إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[6] ، وكانوا قوماً يلبسون البياض فنسبهم الله تعالى إلى ذلك ، ولم ينسبهم إلى نوعٍ من العلوم والإعمال والأحوال ، التي كانوا مترسمين بها ، فكذلك الصوفية عندي).[7]
المسألة الثانية : التصوف اصطلاحاً :
قال الشيخ زروق[8] رضي الله عنه: (قد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الالفين ترجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى وإنما هي وجوه فيه والله اعلم. ثم قال والاختلاف في الحقيقة الواحدة إن كثر دل على بعد إدراك جملتها ثم هو إن رجع لأصل واحد يتضمن جملة ما قيل فيها كانت العبارة عنه بحسب ما فهم منه وجملة الأقوال واقعة على تفاصيله ، واعتبار كل واحد على حسب مثاله علماً وعملاً وحالاً وذوقاً وغير ذلك والاختلاف في التصوف من ذلك، وأن كل من له نصيب من صدق التوجه له نصيب من التصوف وأن تصوف كل أحد حسب صدق توجهه .
وقال أيضاً : قاعدة صدق التوجه مشروط بكونه من حيث يرضاه الحق تعالى وبما يرضاه ولا يصح مشروط بدون شرطه ولا يرضى لعباده الكفر فلزم تحقيق الإيمان وأن تشكروا يرضه لكم فلزم العمل بالإسلام فلا تصوف إلا بفقه إذ لا تعرف أحكام الله تعالى الظاهرة إلا منه ولا فقه ألا بتصوف إذ لا عمل إلا بصدق توجه ولا هما إلا بإيمان إذ لا يصح واحد منهما بدونه فلزم الجمع لتلازمهما في الحكم كتلازم الأرواح للأجساد إذ لا وجود لها إلا فيها ، كما لا كمال لها أي للأشباح إلاَّ بها ، ومنه قول مالك رحمه الله : من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق. ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق. ومن جمع بينهما فقد تحقق ، قال الشبخ زروق : تزندق الأول لأنه قائل بالجبر الموجب لنفي الحكمة والأحكام وتفسق الثاني لخلو علمه عن صدق التوجه الحاجز عن معصية الله وعن الإخلاص المشروط في الأعمال وتحقق الثالث لقيامه بالحقيقة في عين تمسكه بالحق فاعرف ذلك إذ لا وجود لها إلا فيها كما لا كمال له إلاَّ به).
فالتصوف في مجمله هو مناجاة القلب ومحادثة الروح وفي هذه المناجاة طهارة للقلب والروح لمن أراد ان يتطهر وصفاء لمن أراد التبرؤ من الرجس والدنس وفي ذلك عروج بالروح علي سماء النور والتكامل وصعود الي عالم الفيض والإلهام.[9]
وأمَّا تفصيلاً فقد وردت تعريفات كثيرة في أقوال العلماء في التصوف أسوق منها علي سبيل المثال لا الحصر :-
التعريف الأول تعريف الإمام الجنيد[10] :-
(أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة)[11]
التعريف الثاني : تعريف أبو الحسن النوري [12] :
" التصوف ترك كل خط النفس"[13]
التعريف الثالث تعريف الإمام الدينوري[14] :-
" التصوف صفاء الأسرار وإسقاط الاختبار والعلم بما يرضي الجبار"[15] .
التعريف الرابع : تعريف أبو محمد الجريري[16] " التصوف الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني".[17]
التعريف الخامس : تعريف الإمام الكتاني[18] :-
( التصوف صفاء ومشاهدة)[19].
التعريف السادس : تعريف رويم بن أحمد[20]:
( استرسال النفس مع الله تعالى على ما يريده)[21] .
التعريف السابع : تعريف عمر بن عثمان المكي :
( أن يكون العبد في كل وقت في ما هو أولى في الوقت)[22].
المطلب الثاني : موضوع التصوف وواضعه
المسألة الأولى : موضوع علم التصوف:
وأما موضوعه فهو الذات العلية ، لأنَّه يبحث عنَّها باعتبار معرفتها أما بالبرهان أو بالشهود والعيان فالأول للطالبين والثاني للواصلين وقيل موضوعه النفوس والقلوب والأرواح لأنه يبحث عن تصفيتها وتهذيبها وهو قريب من الأول لأن من عرف نفسه عرف ربه.
المسألة الثانية :واضع علم التصوف:
وأما واضع هذا العلم فهو النبي صلى الله عليه وسلم علمه الله له بالوحي والإلهام فنزل جبريل عليه السلام أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة فخص بها بعضاً دون بعض وأول من تكلم فيه وأظهره سيدنا على كرم الله وجهه وأخذه عنه الحسن البصري ، وأمه أسمها خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه مولى زيد بن ثابت توفي الحسن سنة عشر ومائة وأخذه عن الحسن حبيب العجمي[23] وأخذه عن حبيب أبو سليمان داوود الطائي[24] توفي سنة ستين ومائة وأخذه عن داوود أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي[25] رضي الله عنه وأخذه عن معروف الكرخي أبو الحسن سري بن مغلس السقطي[26] وأخذه عن السري أمام هذه الطريقة ومظهر أعلام الحقيقة أبو القاسم محمد بن الجنيد الخراز[27].
المطلب الثالث :استمداد هذا العلم وحكمه
المسألة الأولى : استمداد هذا العلم:
هذا العلم مستمد من الكتاب والسنة وإلهامات الصالحين وفتوحات العارفين وقد أدخلوا فيه أشياء من علم الفقه لمس الحاجة إليه في علم التصوف حررها الغزالي في الإحياء في أربعة كتب كتاب العبادات وكتاب العادات وكتاب المهلكات وكتاب المنجيات وهو فيه كمال لا شرط إلا ما لا بد منه في باب العبادات والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية :حكم علم التصوف :
وأما حكم الشارع فيه فقال الغزالي إنه فرض عين إذا لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام ، وقال الشاذلي: من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصراً على الكبائر وهو لا يشعر. وحيث كان فرض عين يجب السفر إلى من يأخذه عنه إذا عرف بالتربية واشتهر الدواء على يده وأن خالف والديه حسبما نص عليه غير واحد كالسنوسي وغيرهما قال الشيخ السنوسي: النفس إذا غلبت كالعدو إذا فجأ تجب مجاهدتها والاستعانة عليها وان خالف الوالدين.
قال السيوطي : َمِنْ فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ جِهَادُ النَّفْسِ قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَاجِيُّ : جِهَادُ النَّفْسِ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْعَاقِلِينَ ؛ لِيَرْقَى بِجِهَادِهَا فِي دَرَجَاتِ الطَّاعَاتِ وَيُظْهِرَ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ الصِّفَاتِ .لِيَقُومَ بِكُلِّ إقْلِيمٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِنِ .كَمَا يَقُومُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُعِينُ الْمُسْتَرْشِدَ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَالْعَالِمُ : يُقْتَدَى بِهِ ، وَالْعَارِفُ يُهْتَدَى بِهِ .
وَهَذَا مَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى النَّفْسِ طُغْيَانُهَا ، وَانْهِمَاكُهَا فِي عِصْيَانِهَا .فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَارَ اجْتِهَادُهَا فَرْضَ عَيْنٍ بِكُلِّ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ عَجَزَ اسْتَعَانَ عَلَيْهَا بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَقْصُودُ مِنْ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ ، وَالْبَاطِنِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَهُوَ أَكْبَرُ الْجِهَادَيْنِ إلَى أَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى .[28]



المطلب الرابع :مسائل علم التصوف وفضله
المسألة الأولى : مسائل هذا العلم :
وأما تصور مسائله فهي معرفة اصطلاحاته والكلمات التي تتداول بين القوم كالإخلاص. والصدق. والتوكل والزهد. والورع. والرضى. والتسليم. والمحبة. والفناء. والبقاء. وكالذات. والصفات. والقدرة. والحكمة. والروحانية. والبشرية وكمعرفة حقيقة الحال والوارد والمقام وغير ذلك.
والتحقيق في مسائل هذا العلم أنها القضايا التي يبحث عنها السالك في حال سيره ليعمل بمقتضاها ككون الإخلاص شرطاً في العمل وكون الزهد ركناً في الطريق وكون الخلوة والصمت مطلوبين وأمثال هذه القضايا فهي مسائل هذا الفن فينبغي تصورها قبل الشروع في الخوض فيه علماً وعملاً والله تعالى أعلم.
المسألة الثانية :فضل علم التصوف :
وأما فضيلته فقد تقدم أن موضوعه الذات العلية وهي أفضل على الإطلاق فالعلم الذي يتعلق بها أفضل على الإطلاق إذ هو دال بأوله على خشية الله تعالى وبوسطه على معاملته وبآخره على معرفته والانقطاع إليه، ولذلك قال الجنيد :
(لو نعلم أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه).
وقال الشيخ الصقلي رضي الله عنه في كتابه المسمى بأنوار القلوب في العلم الموهوب قال : (وكل من صدق بهذا العلم فهو من الخاصة وكل من فهمه فهو من خاصة الخاصة وكل من عبر عنه وتكلم فيه فهو النجم الذي لا يدرك والبحر الذي لا ينزف).
وقال آخر: (إذا رأيت من فتح له في التصديق بهذه الطريقة فبشره وإذا رأيت من فتح له في الفهم فيه فاغتبطه وإذا رأيت من فتح له في النطق فيه فعظمه وإذا رأيت منتقدا عليه ففر منه فرارك من الأسد واهجره وما من علم إلاَّ وقد يقع الاستغناء عنه في وقت ما إلاَّ علم التصوف فلا يستغنى عنه أحد في وقت من الأوقات).

المطلب الخامس :نسبة علم التصوف من العلوم وفائدته
المسألة الأولى : نسبة علم التصوف من العلوم:
وأما نسبته من العلوم فهو كلي لها وشرط فيها، إذ لا علم ولا عمل إلاَّ بصدق التوجه إلى الله تعالى فالإخلاص شرط في الجميع ، هذا باعتبار الصحة الشرعية والجزاء والثواب ، وأما باعتبار الوجود الخارجي فالعلوم توجد في الخارج بدون التصوف لكنها ناقصة أو ساقطة ، ولذلك قال السيوطي : (نسبة التصوف من العلوم كعلم البيان مع النحو) ، يعني هو كمال فيها ومحسن لها ، وقال الشيخ زروق رضي الله عنه : (نسبة التصوف من الدين نسبة الروح من الجسد لأنه مقام الاحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل أن تعبد الله كأنك تراه الحديث اذ لا معنى له سوى ذلك إذ مدراه على مراقبة بعد مشاهدة أو مشاهدة بعد مراقبة والا لم يقم له وجود ولم يظهر موجود ).
ولعله أراد بالمراقبة بعد المشاهدة الرجوع للبقاء بشهود الاثر بالله.
المسألة الثانية :فائدة علم التصوف :
وأما فائدته فتهذيب القلوب ومعرفة علام الغيوب أو تقول ثمرته سخاوة النفوس وسلامة الصدور وحسن الخلق مع كل مخلوق .
وأعلم أن هذا العلم الذي ذكرنا ليس هو اللقلقة باللسان وإنما هو أذواق ووجدان ولا يؤخذ من الأوراق وإنما يؤخذ من أهل الأذواق وليس ينال بالقيل والقال وإنما يؤخذ من خدمة الرجال وصحبة أهل الكمال. (والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح).
نشأة التصوف واصطلاحاته وتحته مبحثان: المبحث الأول : نشأة التصوف
المبحث الثاني : اصطلاحات التصوف

المبحث الأول :نشأة التصوف وتحته مطلبان:
المطلب الأول : نشأة التصوف من حيث الاسم
المطلب الثاني : نشأة التصوف من حيث الممارسة والسلوك

المطلب الأول :نشاة التصوف من حيث الاسم
اختلف العلماء في مصطلح تصوف ، أو مصطلح صوفيه ، فذهب فريق من العلماء إلى أنه استحدثه البغداديون[29] وقال بالقدم أبو نصر السراج الطوسي- صاحب كتاب اللمع- حيث ذهب إلى أن لفظ صوفية ليس من الألفاظ المستحدثة بل وجد منذ الجاهلية قبل الإسلام ، وأن لفظ صوفية أطلق على قوم تميزوا عن غيرهم بالصلاح والفضل مقتدين بالأنبياء والصالحين في كل الأمور حتى ظاهر اللباس فكانوا يلبسون الصوف تأسياً بهم فنسبوا إليه ولم يسبوا إلى حال من الأحوال أو علم من العلوم – كما نسب مثلاً الفقهاء إلى الفقه أو أصحاب الحديث إلى التوكل ... الخ – لأنهم بوتقة انصهرت فيها جميع العلوم والمعارف والأخلاق الحميدة والصفات العالية ولما لم يتميزوا بعلم دون آخر ولا صفة دون غيرها ميزوا بظاهر لباسهم فنسبوا إليه ، وليست هذه النسبة بدعاً ففي الآية الكريمة (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[30]، حيث نسب الله تعالى طائفة من خواص أصحاب موسى إلى ظاهر لباسهم وهو البياض.[31]
وعندما جاء الإسلام كانت صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأسمى والأعلى فلا يمكن أن يطلق على الصحابة لفظ أشرف من الصحبة فلم يقل لهم زهاد ولا عباد ولا فقراء بل قيل لهم صحابة أئمة الزهاد وأئمة العباد ... الخ ، فلذلك لم يطلق عليهم لفظ صوفية.[32]
وأما في عهد التابعين فقد كان لفظ الصوفية موجوداً بدليل قول الحسن البصري : رايت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه وقال : معي أربعة دوانيق فيكفيني ما معي.[33]
ولفظ التصوف كان موجوداً قبل الإسلام ثم اختفى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لوجود لفظ صحابة ثم عاود الظهور بعد أن بدأ اختفاء لفظ الصحابة ليدلل على نفس المعنى الذي كان يحمله في الجاهلية ، وقد جاء اختلاف العلماء والمؤرخين في أول من تسمى بالصوفي وانحصر القول على ثلاثة أشخاص هم :
1/ أبو هاشم الكوفي :
هو أبو هاشم عثمان بن شريك الكوفي ( المتوفي سنة 150هـ - 767م أو 152هـ)[34] كان من كبار تلاميذ الحسن البصري وكان يسميه البصري بـ(الصوفي) لأنه كان يتخذ من الصوف جلباباً طويلاً يديم لبسه ، وقد كان زاهداً ناسكاً مقللاً من الدنيا ، كما كان معاصراً لسفيان الثوري والمنقول عنه بشأنه قوله لولا أبو هاشم ما عرفت دقائق الرياء) ، وكذا عاصر جعفر الصادق والذي قال فيه إنه كان فاسد العقيدة جداً ، وهو ابتدع مذهباً يقال له التصوف ، وجعله مقراً لعقيدته الخبيثة علماً بان هاشم كما يقول بعض الكتاب كان أموياً وجبرياً في الظاهر ، وباطنياً ودهرياً في الباطن ؛ وكان مراده من وضع هذا المذهب – أي التصوف – أن يثير الاضطراب في الإسلام ، وينقل* بعض الشيعة عن الإمام جعفر الصادق[35].
2/ عبدك الصوفي :
كان رجلاً منزوياً زاهداً ، توفى في بغداد سنة (210هـ - 825م أو 836م)[36]
3/ جابر بن حيان :
هو أبو موسى جابر بن حيان الصوفي (المتوفي سنة هـ) اشتهر ببراعته في فن الكيمياء ، وبإشرافه على كثيرٍ من علوم الفلسفة ، بحيث اعتبره كلّ من علماء الكيمياء والفلاسفة واحداً منهم.
وقد رد الفلاسفة كلمة صوفي التي كانت تطلق عليه إلى كلمة (سوفيا) اليونانية وزعموا أنه لا ينتمي إلى الصوفية مطلقاً ، في نفس الوقت الذي ذهب فيه الصوفية إلى أن جابراً كان صاحب مذهب خاص في الزهد ، ولم يقف الاختلاف بشأنه في هذا الحد بل شك بعض الباحثين في أصل وجوده ، إلا أن هذا الرأي كان موضع اعتراض ونقد إذ قال ابن النديم في الفهرست : أن جابر بن حيان أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكبر.[37]
أضف إلى ما تقدم أن أبا نصر السراج الطوسي كان قد تجاوز التركيز على أول من أطلق عليه لفظ (صوفي) محدداً لظهور الكلمة فترة تسبق وفاة الإمام البصري (100هـ[38] - 728م[39]) ، وعلى هذا الأساس يجب أن يكون أول من أطلق عليه صوفي وأطلق عليه هذا اللفظ في الفترة التي سبقت وفاة الإمام البصري .. وأنه عرف أول ما عرف في الكوفة ومنها عم سائر الأرجاء .. علماً بأن بعض الكتاب يقول إن كلمة الصوفية بالجمع ، ظهرت أول ما ظهرت في عهد (عبدك) وذلك في حدود سنة 199هـ.[40]
والباحث في منشأ كلمة تصوف يجد أنَّ العلماء القدامى والمحدثين اختلفوا في منشأ هذه الكلمة اختلافا واضحا فقالت جماعة : أنهم سموا بالصوفية لأنهم في الصف الأول بين يدي الله عز وجل بارتفاع همهم إليه وإقبالهم عليه ووقوفهم بسرائرهم بين يديه . وقال قوم إنما سمو صوفية لقرب أوصافهم من أوصاف أهل الصفة الذين كانوا علي عهد رسول آله صلى الله عليه وسلم بينما قال آخرون إنما سميت الصوفية لصفاء أسرارها ونقاء أثارها [41]
ويري الدكتور زكي مبارك أنَّ كلمة تصوف تحتمل الأربعة فروض :-
الأول: أن يكون الصوفي منسوب لا إلي صوفه وهو رجل نذر نفسه لخدمة الحجيج
الثاني: أن يكون منسوبا إلي الصوف
الثالث: أن يكون مشتقا من الصفاء
الرابع : ان يكون منسوبا إلي كلمة (سوفيا) اليونانية التي تعني الحكمة[42]
والذين نسبوهم إلي الصفة والصوف إنما عبروا عن ظاهر أحوالهم وذلك لأنهم قوم تركوا الدنيا الا ما يجوز تركه من ستر عورة وسد جوعه [43]
لقد كان اختيارهم للبس الصوف لتركهم زينة الدنيا , وقناعتهم بسد الجوعة وستر العورة واستغراقهم في أمر الآخرة فلم يتفرغوا لملاذ النفوس وراحتها لشدة شغلهم بخدمة مولاهم وانصراف همهم إلي أمر الآخرة وهذا الاختيار يلاءم ويناسب من حيث الاشتقاق لأنه يقال " تصوف" اذا لبس الصوف كما يقال " تقمص اذا لبس القميص[44]، قالصوفية نسبوا الي ظاهر اللباس ولم ينسبوا إلي نوع من أنواع العلوم والأحوال ، لقد كان اختيارهم للبس الصوف لتركهم زينة الدنيا ، وقناعتهم بسد الجوعة وستر العورة واستغراقهم في أمر الآخرة فلم يتفرغوا لملاذ النفوس وراحتها لشدة شغلهم خدمة مولاهم وانصراف همهم الي أمر الآخرة وهذا الاختبار يلائم ويناسب من حيث الاشتياق لأنه يقال " تصوف" إذا لبس الصوف كما يقال "تقمص إذا لبس القميص " [45].
الصوفية إذن نسبتها إلي ظاهر اللباس ولم ينسبوا الي نوع من أنواع العلوم والأحوال التي هم بها موسومون ومن هنا كان أرجح الأقوال وأقربها إلي العقل : مذهب القائلين بأن الصوفي نسبة إلي الصوف وأن المتصوف مأخوذ منه أيضا . ولهذا القول وجه في الاشتقاق وهو مختار كبار العلماء من الصوفية .[46]
ولما كان لبس الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام وشعار الأولياء والأصفياء والآثار في هذه الباب كثيرة وافرة تؤصل القيم التي يدل عليها لبس الصوف فلما أضفتهم الي لبس الصوف كان ذلك أسما مجملا عاما مخبرا عن جميع العلوم والعمال و الأخلاق الشريفة التي انطووا عليها .
فالصوفية علي رأي الطوسي والكلاباذي مشتقة من لبس الصوف وليست هذه النسبة بجديدة علي قاموس الفكر الإسلامي فقد نجد قوماً مشهورين بالصلاح ويتصفون بجماع الخير ثم لا ينسبون الي أي عمل أوحال أو صفة أو علم وإنما ينسبون الي زيهم فإن أردت مثالا علي ذلك فخذ كلمة " الحواريين " فهي مصطلح أطلقه القرآن علي من آمن بنبي الله عيسي عليه السلام ونصره وصدقه من بني إسرائيل .
والتحوير في لغة العرب هو التبييض وقد نسب أتباع سيدنا عيسي الي هذا المصطلح لأنهم كانوا يلبسون " الحواري " من الثياب ويصبغونها فنسبهم الله تبارك وتعالي الي ظاهرة لبسهم فقال تعالي : { قال الحواريون نحن أنصار الله آمن بالله وأشهد بأنا مسلمون } [47] .
وقال تعالي : { إذ قال الحواريون يا عيسي بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله أن كنتم مؤمنين }[48].
وقال تعالي : { وإذا أوحيت الي الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون }[49].
فها هو الحق تبارك وتعالي ينسب أنصار الله من آمن برسوله سيدنا عيسي عليه السلام إلى لبسهم ولم ينسبهم إلى صفة كانوا عليها أو إلى علم عرفوا به بل إلي عمل عرفوا به ولبس درجوا عليه فسماهم الحواريين ولقب الحواري الذي ورد في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم :{أن لكل نبي حواري وحواري الزبير بن العوام } أنما يراد به التشبه بإتباع سيدنا عيسي بجامع الصدق والنقاء والملازمة في كل إلا أن قوم سيدنا عيسي هم أهل السبق في إطلاق هذا الاسم عليهم فهل غريب بعد ذلك أن ينسب الصوفية الي لبس الصوف وهو لبس الأنبياء وكان دأب الصديقين وشعار الصالحين المتنسكين وفي القرآن أسوة إقتداء .
ويقول الدكتور عبد الحليم محمود – رحمة الله { وإذا كانت الكلمة تنسب الي الملبس وهو مظهر وشكل ورسم فليس معني ذلك أن التصوف للاسم هو المراد مما وضع الاسم له . إذ المعني الأصلي قد يتطور ويتغير ويختلف وقد يقصد عكسه ومن أجل ذلك فإنه لا مجال لتخوف هؤلاء الذين لا يريدون أن ينسبوا التصوف إلي صوف بحجه أن انتسابه إلى المظاهر يحط من شأنه والباحثون كثيراً ما يجدون صلة وثيقة بين المعني الأصلي للاسم وما وضع الاسم له أو بين الاسم والمسمي . ولكن ذلك ليس مضطرداً .
والواقع أن التصوف معني معروف لا شأن له بالمظاهر والأشكال [50].
وقد ذهب قوم إلي أن التصوف منسوب إلي أهل الصَّفة وإنما ذهبوا لهذا لأنهم رأوا أهل الصفة علي ما ذكر من صفة صوفه في الانقطاع لله عز وجل وملازمة الفقر . فإن أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالهم أهل و لا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله وقيل " أهل الصفة " وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم يأتيهم فيقول كيف أصبحتم فيقولون بخير يا رسول الله. [51]
ولم تكن لأهل الصفة مساكن بالمدينة ولا عشائر جمعوا أنفسهم في المسجد كاجتماع الصوفية قديماً وحديثاً في الزوايا والربط .
وكانوا لا يرجعون إلي زرع ولا إلي ضرع ولا إلي تجارة وكانوا يحتطبون ويرضخون النوى بالنهار وبالليل يشتغلون بالعبادة وتعلم القرآن وتلاوته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواسيهم ويحث الناس وأهل السعة والجدة علي مواساتهم ويبعث مع واحد ثلاثة ومع آخر أربعة فيجلس معهم ويأكل معهم وكان إذا صافحهم لا ينزع يده من أيديهم .[52]
فعلي هذا يكون التصوف منسوبا إلي أهل الصفة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لمشابهتهم إياهم في الانقطاع لله تعالي والتجرد له والاكتفاء بالقليل ، وغير ذلك من أوصاف أهل الصفة التي تنطبق علي الصوفية في كثير من الأمور فأهل الصفة هم الرعيل الأول من رجال التصوف . فقد كانت حياتهم التعبدية الخالصة ، المثل الأعلى الذي تمناه رجال التصوف في العصور الإسلامية المتتابعة. [53]
إن اختلاف الروايات والآراء في نسبة التصوف إن دلت علي شئ فإنما تدل علي عظم هذا العلم وسعته ولكن رجح الروايات هي نسبتهم الي اللبس هي الروايات وأدقها مع حبهم التشبه بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ولعلنا إذا اختبرنا الصوفية الحقة اليوم وسبرنا أغوارهم لأجمعوا علي انتباهك لأصحاب الرسول الكريم من غير شك .
ويرى الدكتور زكي مبارك : أن يكون الصوفي منسوباً إلى الصوف أصح الفروض ، ولتأييد هذا الفرض شواهد كثيرة جداً[54] وجاء في مرثية عمر لرسول الله e أنه قال : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحاً في كثرة سنه وطول عمره وآمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو لم تجالس إلا كفؤاً لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلاكفؤأ لك ما نكحت إلينا ولو لم تؤاكل إلا كفؤاً لك ما واكلتنا فلقد والله جالستنا ونكحت إليها وواكلتنا ولبست الصوف وركبت الحمار وأردفت خلفك ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعاً منك صلى الله عليك وسلم.)[55]
والدكتور زكي مبارك يعلق على هذا النص بقوله : ( وهذا النص على جانب عظيم من الاهمية . من المحتمل أن يكون الصوفيه لبسوا الصوف أول الأمر . ليصلح لهم الإقتداء بتواضع الرسول . ولاسيما إذا تذكرنا أن الرسول أقبل على أهل الصفة ، فواساهم ، ولم يكن عندهم غير جباب الصوف[56].
والصوف قديماً كان مظهر التخشن ، والتقشف . وقد وصفوا ابن أدهم بأنه : حمل جلده على ضعفه خشونة الصوف . وأخذوا على المرائين : أنهم يعذبون أنفسهم بلبس الصوف.[57]
وحدث المبرد أن محمد بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك قال : قال أبي لأبيه يحيى بن خالد بن برمك . وهم في القيود والحبس : يا أبت بعد الأمر ، والنهي والأموال العظيمة . أصارنا الدهر الى القيود ، ولبس الصوف والحبس.[58]
يذكر السراج الطوسي في كتاب " اللمع " باب ( ما روى عن رسول الله e في أخلاقه ، وأفعاله ، وأصوله ، التي أختارها الله تعالى ) : أن من تواضع الرسول e أنه كان يلبس الصوف ، وينتعل المخصوف ، ويركب الحمار ويجلب الشاة ، ويخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، وكان لا يأنف أن يركب الحمار ، ويردف خلفه.[59]
وقال عبد الله بن شداد : ( أربع من كن فيه برئ من الكبر : من اعتقل البعير ، وركب الحمار ، ولبس الصوف ، وأجاب دعوة الرجل الدون.)[60].
فالصوفية إذن نسبوا إلى ظاهر اللباس ، ولم ينسبوا إلى نوع من أنواع العلوم والأحوال ، التي هم بها موسومون . ومن هنا كان أرجح الأقوال ، وأقربها إلى العقل : مذهب القائلين بأنَّ الصوفي نسبة إلى الصوف . وأنَّ المتصوف مأخوذ منه أيضاً ، ولهذا القول وجه سائغ في الاشتقاق . وهو مختار كبار العلماء الصوفية.[61]
إن هذه الكلمة " تصوف" لم توضع في الأصل للتصوف بمعناه العادي . وإنما وضعت في المبدأ لتدل على نمط العزوف عن الدنيا . إنها كانت علامة الزاهدين والمتنسكين . ولقد رأى هؤلاء الزهاد من ناحية الملبس في الصوف ما يحقق أهدافهم التي تتصل بالتقشف ، والشظف والخشونة . فهو متين رخيص خشن لا يحتاج الإنسان معه في الشتاء إلى غيره ولا يحتاج إلى تغييره كثيراً . ذلك أنه لا يبلى بسرعة فتصوفوا ، أي لبسوا الصوف .
وكان لا بد من اسم يطلق على هؤلاء . وكان من السهولة بمكان أن يطلق عليهم "صوفيه" وأطلق الاسم مصادفة أو تعمداً ، فذاع وشاع . وأصبح الزهاد يعرفون في البيئات العربية باسم "الصوفية ". وإذا كانت الكلمة تنتسب إلى الصوف فهي كلمة موفقة كل التوفيق .ولعل عناية المقادير هي التي هيأت لها الجو للظهور والشيوع.[62]
ويرى بعض الباحثين أن كلمة "تصوف" تنسب إلى رجل يقال له : صوفة ويقول ابن الجوزي نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد ، فتخلوا عن الدنيا وانقطعوا إلى العبادة واتخذوا من ذلك طريقة وأخلاق تخلقوا بها ورأوا أن أول من انفرد بخدمة الله سبحانه وتعالى ، عند بيته الحرام رجل يقال له صوفة واسمه : الغوث بن مر . فانتسبوا إليه لمشابهتهم إياه في الانقطاع إلى الله سبحانه فسموا بالصوفية[63].
ويذكر ابن الجوزي أن وليد بن القاسم سئل : إلى أي شئ ينسب الصوفي ؟ فقال : كان قوم في الجاهلية يقال لهم : صوفه . انقطعوا إلى الله عز وجل . وقطنوا الكعبة فمن تشبه بهم فهم الصوفية[64]. ويذكر أحد العلماء : ، هؤلاء هم المعروفون بصوفة ولد الغوث بن مر أخي تميم . وكانت الإجازة بالحج للناس من عرفه الى الغوث بن مر بن طابخة. ثم كانت في ولده .وكان يقال لهم صوفه. وكانت إذا حانت الإجازة قالت العرب : أجز صوفه[65].ويقول أبو عبيدة :وصوفه وصوفان يقال لكل من ولى البيت شيئاً من غير أهله أو قام بشئ من أمر المناسك[66].
ومما يذكر في تسمية " الغوث بن مر" بصوفة . أنه ما كان يعيش لامه ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد لتعلقن براسه صوفة ، ولتجعله ربيط الكعبة ففعلت . فقيل له : صوفه ، ولولده من بعده.
ويروى أن أم تميم بن مر قد ولدت نسوة . فقالت : لله عليّ إن ولدت غلاماً لا عبدنه للبيت . فولدت الغوث بن مر . فلما ربطته عند البيت، أصابه الحر ، فمرت به وقد سقط واسترخى . فقالت : (وما صار ابني إلاَّ صوفة) فسمى صوفة . وكان الحج وإجازة الناس من عرفة الى منى ، ومن منى إلى مكة لصوفة . فلم تزل الإجازة في عقب صوفة . حتى أخذتها عدوان . ولم تزل من عدوان حتى أخذتها قريش.[67]
المطلب الثاني :نشأة التصوف من حيث السلوك والممارسة
عمل الإسلام بوحيه على تعميق روح الإيمان في نفوس المسلمين وسعى جاهداً إلى إتمام مكارم الأخلاق ، والسمو بالروح لتتعلق بخالقها في إعراض عن دار الغرور ، ورغبة أكيدة في دار الخلود التي فيها تنعم برضا ربها ومحبوبها ، كما تنعم بقربه ورضوانه ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية جاء الوحي الإسلامي بتعاليمه وآدابه على رسول الإسلام محمد – صلاة ربي وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين- فعمل صلى الله عليه وسلم على إنزال هذه التعاليم على أرض الواقع بفعله وأمره ونهيه وإقراره فكان القدوة العليا للمسلمين عملاً بقوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[68]، حيث حرص أصحابه صلى الله عليه وسلم على الإقتداء به في صغار الأمور وعظائمها ولم يكتفوا بالقليل من العمل بل تاقت أنفسهم إلى أعلى الدرجات في الجنات بعد الممات على السمو بأرواحهم في جهاد فذ عاملين بالفرائض تاركين المحرمات متورعين عن الشبهات متمسكين حتى بالسنن والمندوبات باحثين عن كل عمل يقربهم إلى ربهم غير راضين بالقليل من الأعمال راغبين في المزيد من الخيرات ، وعلى هذا الديدن كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم ثم تبعهم التابعون لهم على نفس المنوال فكانوا خير القرون ( خَيرُ أُمّتي قَرْنِي ثُمَّ الّذيَنَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِيِنَ يُلونَهُم)[69]ثم اختلف الوضع في القرون التي تلت من بعدهم حيث بعدت الشقة من أستاذ المسلمين ( الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، وتدفقت الثروات عليهم بعد أن من الله عليهم بالفتوحات ودخول معظم الشعوب تحت لوائهم وكان نتيجة هذا الأمر أن ركض معظم المسلمين وراء الدنيا وزينتها متناسين غافلين عن دار الخلود ونعيمها فكثرت الفتن وضاعت الأخلاق والقيم ؛ ووسط هذه الأجواء وجد من المسلمين من لم تفتنه الدنيا ببهرجتها ولم ينس الموت وشدته والقبر وظلمته والنار ولجتها ، وآثر الآخرة على الأولى ، والرضى والرضوان على القصور والمال ؛ فهؤلاء حافظوا على سيرة سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين وكانوا شموساً يستضاء بها وسط تلك الظلمات حيث كانوا منارات للعلم والتقوى والورع والزهد في الفانية والرغبة في الباقية فعرف هذا الرعيل من الصالحين بالصوفية أو المتصوفة[70].
وجد التصوف في كل العصور ولم يختص به أمة معينة أو ديانة معينة والنزعة التي تميزه هي الزهد والتقشف والإعراض عن طعام الدنيا من مال وجاه وسلطان والاهتمام بالجانب الرومي وترقيته والسمو به من أجل الوصول إلي المعرفة الحقة وهذه النزعة وجدت في كل الديانات السماوية من يهودية ونصرانية والإسلام كما وجدت في ديانات غير سماوية كالهندية والمانوية والزرادشية وفي فلسفة الاسكندرانية والأفلاطونية الحديثة[71] .
ومع وجود هذه النزعة المشتركة هنالك اختلافات جوهرية في الغاية والهدف من سلوك هذا الطريق الزهدي , فمثلا في ديانات الهند الكبرى " الهندوسية, ....., والبوذية " يزهد أصحابها في الحياة ويعملون علي إضعاف القوة البدنية من اجل أن تتحرر الروح من اسر الجسد فتنطلق.
أما الديانة المسيحية يزهد الرهبان في الحياة تماما ركضا وراء الخلاص من الخطيئة التي ارتكبها أبو البشر آدم عليه السلام وورثها بنوه كما يزعمون[72]
ويمكن إرجاع الاشتراك بين الأديان السماوية في نزعة الزهد هذه إلي أن مصدر جميع هذه الأديان واحد وهو الله سبحانه وتعالي أذن فلا استغراب في وجود الشبه بينهما في بعض الأمور [73] أما في الأديان غير السماوية فقد يكون لتأثر الشعوب بعضها ببعض في الأفكار والمعتقدات والعادات [74] وباعتبار أنَّ الزهد هو النزعة المميزة للتصوف الإسلامي فمن الضروري الوقوف عنده .
يعرف الزهد بأنه عزوف النفس عن الدنيا وانزواؤها عنها طوعا مع القدرة عليها والرغبة في الآخرة والإسلام في الديانات السماوية التي دعت إلي الزهد وجعلته عنصرا مهما في منهجنا العلمي التطبيقي ويختلف الزهد في الإسلام عن غيره من الديانات والمذاهب الأخرى في إن الزهد الإسلامي هو زهد قلبي , أي انه لا يدعو إلي ........ من الدنيا بل يدعو إلي امتلاك الدنيا ...... والإعراض عنها بالقلب وهذا الزهد لا يمنع صاحبه من الأكل اللذيذ والطيب من المأكولات كما لا يمنعه من لبس.
المبحث الثاني : اصطلاحات الصوفية
من المعلوم أنَّ كل طائفة من العلماء لهم ألفاظ يستعملونها انفردوا بها عمَّن سواهم تواطئوا عليها لأغراض لهم فيها من تقريب الفهم على المخاطبين بها ، أو تسهيل على أهل تلك الصنعة في الوقوف على معانيهم بإطلاقها ، وقد استعمل الصوفية ألفاظاً فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم ، والإبهام والستر على من باينهم في طريقتهم ، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم أن تشيع في غير أهلها ، إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلفٍ أو مجلوبة بضرب تصرف ، بل هي معاني أودعها الله تعالى قلوب قومٍ واستخلصها لحقائق أسرارها .[75]
وقد أردت أن أعقد هذا المطلب لأبين تلك الألفاظ شرحا لمعانيها وتسهيلا للفهم
المصطلح الأول : المقام :-
المقام هو الإقامة كالمدخل بمعنى الإدخال ، والمخرج بمعنى الإخراج.وهو في اصطلاح القوم:
ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب بما يتوصل إليه بنوع تصرف ويتحقق به بضرب تطلب ومقاساة تكلف.قال الطوسي : ( فإن قيل ما معنى المقامات ؟ يقال معناه مقام العبد بين يدي الله عزَّ وجل فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات ، والانقطاع إلى الله عزَّ وجل ، قال تعالى : (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)[76] ، وقال تعالى : ({وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ)[77]
وقد سئل الإمام الواسطي رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلَّم : (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف )[78] ، فقال (مجندة ) على قدر المقامات ، والمقامات مثل التوبة والورع والزهد ...ألخ.
فمقام كل أحد موضع إقامته عند ذلك وما هو مشتغل بالرياضة له ، وشرطه ألا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام ذلك المقام ، وتوضيح ذلك:
أنَّ من لا قناعة له لا يصح له التوكل ، ومن لا توكل له لا يصح له التسليم وكذلك من لا توبة له لا تصلح له الإنابة ، ومن لا ورع له لا يصلح له الزهد .
ولا يصح لأحدٍ منازلة مقام إلاَّ بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام ليصبح بناء أمره على قاعدةٍ صحيحةٍ .[79]
فمتى أقام العبد في شئ منه على التمام فهو مقامه حتى ينتقل منه إلى مقام آخر.
المصطلح الثاني : المكان :-
هو لأهل الكمال والتمكين والنهاية فإذا كمل العبد في معانيه تمكن له المكان لأنه قد عبر المقامات والأحوال فيكون صاحب مكان .
المصطلح الثالث : المشاهدة :-
بمعنى المداناة والمحاضرة والمكاشفة والمشاهدة تتقاربان في المعنى إلا أن الكشف أتم في المعنى .
قال عمرو بن عثمان المكي رحمه الله أول المشاهدة زوائد اليقين سطعت بكوا شف الحضور غير خارجة عن نقطة الغيب وهو التماس القلب دوام المحاضرة لما وارته الغيوب[80].
المصطلح الرابع : الحق :-
هو الله عز وجل قال عز وجل ( إن الله هو الحق المبين )[81] والحقوق معناه الأحوال والمقامات والإرادات والقصود والمعاملات والعبادات ، قال الطيالسي رحمه الله : إذا ظهرت الحقوق غابت الحظوظ وإذا ظهرت الحظوظ غابت الحقوق .
ومعنى الحظوظ : حظوظ النفس ، والبشرية لا تجتمع مع الحقوق لأنهما ضدان لا يجتمعان .

المسألة الخامسة : الحقائق :- [82]
جمع الحقيقة ومعناه وقوف القلب بدوام الانتصاب بعين يدي من امن به فلو داخل القلوب شك فيما آمنت به حتى لا تكون به واقفة بين يديه منتصبة لبطل
الإيمان وهو قول النبي eلحارثه (لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ فقال عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً)
قوله ( وكأني)يعبر عن مشاهدة قلبه ودوام وقوفه وانتصابه بين يدي الله تعالى لمَّا آمن به حتى كأنه رأي العين.
قال الجنيد رحمه الله : أبت الحقائق أن تدع للقلوب مقالة للتاويل .
المسألة السادسة : الخصوص :-[83]
أهل الخصوص هم الذين خصهم الله تعالى من عامة المؤمنين بالحقائق والأحوال والمقامات وخصوص الخصوص هم أهل التفريد وتجريد التوحيد ، ومن عبر الأحوال والمقامات وسلكها وقطع مفاوزها قال الله عز وجل : ( ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات )[84].فالمقتصد خصوص والسابق خصوص الخصوص .
المسألة السابعة : الإشارة :-[85]
ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه .
قال أبو علي الروزبادي رحمه الله علمنا هذا إشارة فإذا صار عبارة خفي و( الإيماء ) إشارة بحركة جارية .
المسألة الثامنة: الرمز :- [86]
معنى باطن مخزون تحت كلام ظاهر لا يظفر به إلاَّ أهله :
إذا نطقوا أعجزك مرمى رموزهم
وإذا سكتوا هيهات منك إتصاله
المسألة التاسعة :الزوائد والفوائد : [87]
الزوائد زيادات الإيمان بالغيب واليقين ، كلما ازداد الإيمان واليقين زاد الصدق والاخلاص في الأحوال والمقامات والإرادات والمعاملات ، قال عمرو بن عثمان المكي رحمه الله : زوائد اليقين إذا سطعت بكواشف الحضور عن تغطية القلوب لما وارته الغيوب .
والفوائد تحف الحق لأهل معاملته في وقت الخدمة بزيادة الفهم للتنعيم بها.
المسألة العاشرة :الشاهد ( أيضاً يمعنى الحاضر ) :-
وسئل الجنيد رحمه الله عن الشاهد فقال ( الشاهد الحق في ضميرك وأسرارك مطلع عليها ، والمشهود مايشهده الشاهد .
قال أبوبكر الواسطي : الشاهد الحق والمشهود الكون قال تعالى : ( وشاهد ومشهود )[88][89] .
المسألة الحادية عشرة: الغيبة والغشية والحضور :[90]
الغيبة : غيبة القلب عن مشاهدة الخلق بحضوره ومشاهدته للحق بلا تغيير ظاهر العبد .
والغشية هي : غيبة القلب بما يرد عليه ويظهر ذلك على ظاهر العبد.
والحضور هو : حضور القلب لما غاب عن عيانه بصفاء اليقين فهو كالحاضر عنده وإن كان غائباً عنه.
المسألة الثانية عشرة: الصحو" و "السكر" :-[91]
معناهما قريب في معنى الغيبة والحضور غير أنَّ الصحو والسُكر معناهما أقوى وأتم وأقهر من الغيبة والحضور
الفرق بين السكر والغشية أن السكر ليس نشأته من الطبع لا يتغير عند وروده الطبع والحواس والغشية نشأتها ممزوجة بالطبع تتغير عند ورودها الطبع والحواس . والغشية لا تدوم والسكر يدوم والفرق بين الحضور والصحو : أنَّ الصحوَ حادث والحضور على الدوام .
المسألة الثالثة عشرة : المبتدئ والمريد والمراد :[92]
المبتدئ هو الذي يبتدئ بقوة العزم في سلوك طرقات المنقطعين إلى الله تعالى ويتكلف لآداب ذلك ، ويتأهب للتأدب بالخدمة والقبول من الذي يعرف الحال الذي ابتدأ به وأشرف عليه من بدايته إلى نهايته .
والمريد هو : الذي صح له الابتداء ، وقد دخل في جملة المنقطعين إلى الله تعالى بالاسم ، وشهد له قلوب الصادقين بصحة إرادته ولم يترسم بعدُ بحالٍ ولا مقامٍ فهو في السير مع إرادته .
والمراد هو : العارف الذي لم يبق له إرادة ، وقد وصل إلى النهايات وعبر الأحوال والمقامات والمقاصد والإرادات ، فهو مراد أريد به ما أريد ولا يريد إلا ما يريد .
المسألة الرابعة عشرة:الوجد :- [93]
مصادقة القلوب لصفاء ذكر كان عنه مفقوداً والتواجد والتساكر قريبا المعنى وهو ما يمتزج من اكتساب العبد بالاستدعاء للوجد والسكر .
المسألة الخامسة عشرة : البادي والوارد :[94]
البادي:هو الذي يبدو على القلب في الحين من حيث حال العبد ، فإذا بدا بادي الحق يبيد كلَّ بادٍ غير الحق .
والوارد ما يرد على القلوب بعد البادي فيستغرقها ، والوارد له فعلٌ ، وليس للبادي فعلٌ ، لأنَّ البوادي بدايات الواردات .
المسألة السادسة عشرة الوقت :[95] حقيقة الوقت عند أهل التحقيق: حادث متوهِّم علق حصوله على حادث متحقق فالحادث المتحقق، وقت للحادث المتوهم، تقول: آتيك رأس الشهر، فالإتيان متوهم، ورأس الشهر حادث متحقق. فرأس الشهر وقت الإتيان.
قال الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله:الوقت: ما أنت فيه، إن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا، وإن كنت بالعقبى فوقتك العقبى وإن كنت بالسُّرور فوقتك السرور وإن كنت بالحزن فوقتك الحزن.
يريد بهذا: أن الوقت ما كان هو الغالب على الإنسان.
وقد يعنون بالوقت: ما هو فيه من الزمان، فإن قوماً قالوا: الوقت ما بين الزمانين، يعني الماضي والمستقبل.
ويقولون: الصوفي ابن وقته، يريدون بذلك: أنه مشتغل بما هو أولى به من العبادات في الحال، قائم بما هو مطلوب به في الحين.وقيل: الفقير لا يهمه ماضي وقته وآتيه، بل يهمه وقته الذي هو فيه ، ولهذا قيل: الاشتغال بفوات وقت ماض تضييع وقت ثان ،وقد يريدون بالوقت: ما يصادفهم من تصريف الحقِّ لهم، دون ما يختارونه لأنفسهم ، ويقولون: فلان بحكم الوقت. أي: أنه مستسلم لما يبدو له من الغيب من غير اختيار له ، وهذا فيما ليس لله تعالى عليهم فيه أمر أو اقتضاء بحق شرع، إذ التضييع لما أمرت به: وإحالة الأمر فيه على التقدير وتركُ المبالاة بما يحصل منك من التقصير: خروج عن الدين.
ومن كلامهم: الوقت سيف. أي: كما أنَّ السيف قاطع فالوقت بما يمضيه الحق ويجريه غالب.

المسألة السابعة عشرة : الحال [96]
والحال عند القوم: معنى يَرِد على القلب، من غير تعمد منهم، ولا اجتلاب، ولا أكتساب لهم، من: طرب، أو حزن، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو انزعاج أو هبة، أو احتياج.
المسألة الثامنة عشرة :القبض والبسط :[97]
" القبض والبسط" حالان شريفان لأهل المعرفة إذا قبضهم الحق أحشمهم عن تناول القوام والمباحات والأكل والشرب والكلام وإذا بسطهم ردهم الى هذه الأشياء وتولى حفظهم في ذلك .
وقال الجنيد : رحمه الله في معنى القبض والبسط يعني الخوف والرجاء يبسط إلى الطاعة والخوف يقبض عن المعصية .
وهما: حالتان، بعد ترقيِّ العبد عز حالة الخوف والرجاء.فالقبض للعارف: بمنزلة الخوف للمستأنف.والبسط للعارف: بمنزلة الرجاء للمستأنف.
ومن الفصل بين القبض والخوف، والبسط والرجاء: أن الخوف ما يكون من شيء في المستقبل، إما أن يخاف فوقت محبوب أو هجوم محذور.
وكذلك الرجاء: إنما يكون بتأميل محبوب في المستقبل، أو بتطلع زوال محذور وكفاية مكروه في المستأنف.
وأما القبض: فلمعنى حاصل في الوقت، وكذلك البسط، فصاحب الخوف والرجاء: تعلق قلبه في حالتيه بآجله. وصاحب القبض والبسط أخذ وقته بوارد غلب عليه في عاجله.
ثم تتفاوت نعوتهم في القبض والبسط على حسب تفاوتهم في أحوالهم: فمن واردٍ يوجب قبضاً، ولكن يبقى مساغ للأشياء الأخر، لأنه غير مستوف ومن مقبوض لا مساغ لغير وارده فيه، لأنه مأخوذ عنه بالكلية بوارده.
وكذلك المبسوط: قد يكون فيه بسط يسع الخلق، فلا يستوحش من أكثر الأشياء، ويكون مبسوطاً لا يؤثر فيه شيء بحال من الأحوال.
يقول السهروري أن القبض والبسط وقتهما وموسمهما في أوائل المحبة الخاصة ويتعلقان بالتقسيم لثلاثة :
أ/ الأمارة بالسوء ب/ اللوامة ج/ المطمئنة
فالنفس الأمارة لا يحدث لها قبض ولا بسط .أما النفس اللوامة التي وصلت إلى أوائل المحبة يتناوب القبض والبسط فيها لأنها تارة غالبة وتارة مغلوبة
وللقلب حجاب نوراني بقدر ما للنفس حجاب ظلماني، وعندما تنتهي من حالة القبض والبسط يكونا عند حالة الخوف والرجاء ، وأنهما لا ينعدمان عند صاحب الأُنس والهيبة.[98]
المسألة التاسعة عشرة :الجمع والفرق:[99]
لفظ الجمع والتفرقة يجري في كلامهم كثيراً ، وكان الأستاذ أبو علي الدقاق يقول: الفرق: ما نسب إليك والجمع: ما سلب عنك ومعناه: أن ما يكون كسباً للعبد، من إقامة العبودية، وما يليق بأحوال البشرية، فهو: فرق ، وما يكون من قبل الحق، من إبداء معان، وإسداء لطف وإحسان فهو: جمع هذا أدنى أحوالهم في الجمع والفرق، لأنه من شهود الأف

ابن عباس القادري
مدير

عدد الرسائل : 176
العمر : 46
تاريخ التسجيل : 04/07/2008

http://al7ewar.net/forum

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى